للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

له، وقد قال النَّبِىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الْخَدِيعَةُ فِى النَّارِ" (٣) فإن اشْتَرَى مع النَّجْشِ، فالشِّراءُ صَحِيحٌ، فى قولِ أكْثَرِ أهْلِ العِلْمِ، منهم الشَّافِعِىُّ وأصْحابُ الرَّأى. وعن أحْمَدَ، أنَّ البَيْعَ باطِلٌ. اخْتارَه أبو بكرٍ. وهو قولُ مالِكٍ؛ لأنَّ النَّهْىَ يَقْتَضِى الفَسادَ. ولَنا، أنَّ النَّهْىَ عادَ إلى النَّاجِشِ، لا إلى العاقِدِ، فلم يُؤَثِّرْ فى البَيْعِ. ولأنَّ النَّهْىَ لِحَقِّ الآدَمِىِّ، فلم يَفْسُدِ العَقْدُ، كتَلَقِّى الرُّكْبَانِ، وَبَيْعِ المَعِيبِ، والمُدَلِّسِ، وفارَقَ ما كان لِحَقِّ اللَّه تَعَالَى؛ لأنَّ حَقَّ الآدَمِىِّ يُمْكِنُ جَبْرُه بالخِيارِ، أو زِيادَةٍ فى الثَّمَنِ، لكنْ إن كان فى البَيْعِ غَبْنٌ لم تَجْرِ العادَةُ بمِثْلِه، فَلِلْمُشْتَرِى الخِيارُ بين الفَسْخِ والإِمْضاءِ، كما فى تَلَقِّى الرُّكْبَانِ، وإن كان يُتَغَابَنُ بمِثْلِه، فلا خِيارَ له. وسواءٌ كان النَّجْشُ بمُوَاطَأةٍ من البائِعِ، أو لم يَكُنْ. وقال أصْحابُ الشَّافِعِىِّ: إن لم يكنْ ذلك بمُوَاطَأَةِ البائِعِ وعِلْمِه، فلا خِيارَ له. واخْتَلَفُوا فيما إذا كان بمُوَاطَأَةٍ منه، فقال بعضُهم: لا خِيارَ لِلْمُشْتَرِى؛ لأنَّ التَّفْرِيطَ منه، حيث اشْتَرَى ما لا يَعْرِفُ قِيمَتَهُ. ولَنا، أنَّه تَغْرِيرٌ بالعاقِدِ، فإذا كان مَغْبُونًا ثَبَتَ له الخِيارُ، كما فى تَلَقِّى الرُّكْبَانِ، ويَبْطُلُ ما ذَكَرَهُ بِتَلَقِّى الرُّكْبانِ.

فصل: ولو قال البائِعُ: أُعْطِيْتُ بهذه السِّلْعَةِ كذا وكذا. فصَدَّقَهُ المُشْتَرِى واشْتَرَاهَا بذلك، ثمَّ بانَ كاذِبًا. فالبَيْعُ صَحِيحٌ، ولِلْمُشْتَرِى الخِيَارُ أيضًا؛ لأنَّه فى مَعْنَى النَّجْشِ.

فصل: وقولُه عليه السَّلَامُ: "لا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ". معْناه، أنَّ الرَّجُلَيْنِ إذا تَبايَعا، فجاءَ آخَرُ إلى المُشْتَرِى فى مُدَّةِ الخِيارِ، فقال: أنا أَبِيعُكَ مثلَ


= والنسائى، فى: باب النهى عن المصراة، من كتاب البيوع. المجتبى ٧/ ٢٢٢، ٢٢٣. والإمام مالك، فى: باب ما ينهى عنه من المساومة والمبايعة، من كتاب البيوع. الموطأ ٢/ ٦٨٣. الإِمام أحمد، فى: المسند ٢/ ٣٩٤، ٤٦٥، ٥٠١.
(٣) أخرجه البخارى، فى: باب النجش ومن قال لا يجوز ذلك البيع، من كتاب البيوع. صحيح البخارى ٣/ ٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>