بالمُقَابَلَةِ أو بِعَيْبٍ فيها، وإن وَقَعَ هذا بِحُكْمِ الاتِّفَاقِ، لم يَمْنَعِ الصِّحَّةَ، كما لو وَقَعَ ذلك فى البَيْعِ، وكما لو أسْلَمَ جَارِيَةً فى أُخْرَى مَوْصُوفَةٍ بِصِفَاتِها، ثم رَدَّها بِعَيْنِها عند حُلُولِ الأَجَلِ. ولو ثَبَتَ أن القَرْضَ ضَعِيفٌ لا يُبِيحُ الوَطْءَ، لم يَمْنَعْ منه فى الجَوَارِى، كالبَيْعِ فى مُدَّةِ الخِيَارِ. وعَدَمُ القَائِلِ بالفَرْقِ ليس بشىءٍ، على ما عُرِفَ فى مَوَاضِعِه. وعَدَمُ نَقْلِه ليس بِحُجَّةٍ؛ فإنَّ أكْثَرَ الحَيَوانَاتِ لم يُنْقَلْ قَرْضُها، وهو جَائِزٌ.
فصل: وإذا اقْتَرَضَ دَرَاهِمَ أو دَنَانِيرَ غيرَ مَعْرُوفَةِ الوَزْنِ، لم يَجُزْ؛ لأنَّ القَرْضَ فيها يُوجِبُ رَدَّ المِثْلِ، فإذا لم يُعْرَفِ المِثْلُ لم يُمْكِنِ القَضَاءُ. وكذلك لو اقْتَرَضَ مَكِيلًا أَو مَوْزُونًا جُزَافًا، لم يَجُزْ؛ لذلك. ولو قَدَّرهُ بمِكْيَالٍ بِعَيْنِه، أو صَنْجَةٍ بِعَيْنِها، غيرِ مَعْرُوفَيْنِ عند العَامَّةِ، لم يَجُزْ؛ لأنَّه لا يَأْمَنُ تَلَفَ ذلك، فيَتَعَذَّرَ رَدُّ المِثْلِ، فأشْبَهَ السَّلَمَ فى مثلِ ذلك. وقال الإمامُ أحمدُ، فى ماءٍ بينَ قَوْمٍ، لهم نُوَبٌ فى أيَّامٍ مُسَمَّاةٍ، فاحْتَاجَ بعضُهم إلى أن يَسْتَقِىَ فى غيرِ نَوْبَتِه، فَاسْتَقْرَضَ من نَوْبَةِ غيرِه، لِيَرُدَّ عليه بَدَلَهُ فى يومِ نَوْبَتِه: فلا بَأْسَ، وإن كان غيرَ مَحْدُودٍ كَرِهْتُه. فكَرِهَهُ إذا لم يكنْ مَحْدُودًا؛ لأنَّه لا يُمْكِنُه رَدُّ مِثْلِه. وإن كانت الدَّرَاهِمُ يَتَعَامَلُ بها عَدَدًا، فاسْتَقْرَضَ عَدَدًا، رَدَّ عَددًا. وإن اسْتَقْرَضَ وَزْنًا، رَدَّ وَزْنًا. وهذا قولُ الحسنِ، وابن سِيرِينَ، والأوْزَاعِىِّ. واسْتَقْرَضَ أيُّوبُ مِن حَمَّادِ بن زَيْدٍ دَرَاهِمَ بمَكَّةَ عَدَدًا، وأعْطَاهُ بالبَصْرَةِ عَدَدًا، لأنَّه وَفَّاهُ مِثْلَ ما اقْتَرَضَ فيما يَتَعَامَلُ به النَّاسُ، فأشْبَهَ ما لو كانُوا يَتَعَامَلُونَ بها وَزْنًا. فَرَدَّ وَزْنًا.
فصل: ويَجِبُ رَدُّ المِثْلِ فى الْمَكِيلِ والمَوْزُونِ. لا نَعْلَمُ فيه خِلَافًا. قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ كلُّ مَن نَحْفَظُ عنه من أهْلِ العِلْمِ، على أنَّ مَن أسْلَفَ سَلَفًا، ممَّا يجوزُ أن يُسْلَفَ، فَرُدَّ عليه مِثْلُه، أنَّ ذلك جائِزٌ وأنَّ لِلْمُسْلِفِ أخْذَ ذلك. ولأنَّ المَكِيلَ والمَوْزُونَ يُضْمَنُ فى الغَصْبِ والإتْلَافِ بمِثْلِه. فكذا هاهُنا. فأمَّا غيرُ المَكِيلِ والمَوْزُونِ، ففيه وَجْهانِ؛ أحدُهما، يَجِبُ رَدُّ قِيمَتِه يومَ القَرْضِ؛ لأنَّه لا مِثْلَ له، فيَضْمَنُهُ بِقِيمَتِه، كحال الإتْلَافِ والغَصْبِ. والثانى، يَجِبُ رَدُّ مِثْلِه؛