للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القريبِ وَجْهَيْنِ. وقال أصْحابُ أبي حنيفةَ: تَثْبُتُ بالاسْتفاضةِ. ولم يفصلوا بينَ القريبِ والبعيدِ؛ لأنَّ النبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَّى عليًّا ومُعاذًا قَضاءَ اليمنِ وهو بعيدٌ، مِن غيرِ إشْهادٍ (٤٤)، ووَلَّى الوُلاةَ في البلادِ (٤٥) البعيدةِ وَفوَّضَ إليهم الوِلايةَ والقضاءَ، ولم يُشْهِدْ، وكذلك خُلَفاؤه. ولم يُنقلْ عنهم (٤٦) الإشْهادُ على تَوْلِيَةِ القَضاءِ، مع بُعْدِ بُلدانِهم. ولَنا، أنَّ القضاءَ لا يَثْبتُ إلَّا بأحَدِ الأمْرَيْنِ، وقد تعذَّرَتِ الاسْتفاضةُ في البلدِ البعيدِ؛ لِعَدَمِ وُصولِها إليه، فتعَيَّن الإشْهادُ، ولا نُسلِّمُ أنَّ النبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يُشْهِدْ على تَوْلِيَتِه، فإنَّ الظَّاهرَ أنَّه لم يَبْعَثْ واليًا إلَّا ومعه جماعةٌ، فالظَّاهرُ أنَّه أشْهدَهم، وعَدَمُ نَقْلِه لا يَلْزَمُ منه عدمُ فِعْلِه، وقد قامَ دليلُه، فتعَيَّن وُجودُه.

١٨٦٤ - مسألة: قال أبو القاسمِ، رَحِمَهُ اللهُ تعالى: (وَلَا يُوَلَّى قَاضٍ حَتَّى يَكُونَ بَالِغًا، عَاقِلًا (١)، مُسْلِمًا، حُرًّا، عَدْلًا، عَالِمًا، فَقِيهًا، وَرِعًا)

وجُمْلتُه أنَّه يُشْتَرطُ في القاضي ثَلاثةُ شروطٍ؛ أحدها، الكَمالُ، وهو نوعان؛ كمالُ الأحْكام، وكمالُ الخِلْقَةِ، أمَّا كمالُ الأحكامِ فيُعتَبرُ في أربعةِ أشياء؛ أنْ يكونَ بَالغًا عاقِلًا حُرًّا ذكَرًا. وحُكى عنِ ابنِ جَرِيرٍ أنَّه لا تُشْتَرَطُ الذُّكورِيَّةُ؛ لأنَّ المرأةَ يجوزُ أنْ تكونَ مُفْتِيَةً، فيجوزُ أنْ تكونَ قاضِيةً. وقال أبو حنيفةَ: يجوزُ أنْ تكونَ قاضيَةً في غيرِ الحُدودِ؛ لأنَّه يجوزُ أنْ تكونَ شاهدةً فيه (٢). ولَنا، قولُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا أَفْلَحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً" (٣). ولأنَّ القاضيَ يَحضُرُه مَحافلُ الخُصومِ والرِّجال، ويَحْتاجُ فيه إلى كَمالِ الرأْيِ وتمامِ العقلِ والفِطْنةِ، والمَرأةُ ناقِصةُ العقلِ، قليلةُ الرَّأْيِ، ليستْ


(٤٤) في ب، م: "شهادة".
(٤٥) في ب، م: "البلدان".
(٤٦) في م: "منهم".
(١) سقط من: ب.
(٢) سقط من: الأصل.
(٣) أخرجه البخاري، في: باب كتاب النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى كسرى وقيصر، من كتاب المغازي، وفي: باب حدثنا عثمان =

<<  <  ج: ص:  >  >>