للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهلًا للحُضورِ في مَحافلِ الرِّجالِ، ولا تُقْبَلُ شَهادتُها ولو كانَ معها ألفُ امرأةٍ مثلِها، ما لم يكُنْ معهنَّ رجلٌ، وقد نبَّهَ اللهُ تعالى على ضَلالِهنَّ ونِسْيانِهن، بقولِه تعالى: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} (٤). ولا تَصلُحُ للإمامَةِ العُظْمَى، ولا لِتَوْليةِ البُلدانِ؛ ولهذا لم يُوَلِّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولا أحدٌ مِن خُلفائِه، ولا مَن بعدَهم، امرأةً قضاءً ولا وِلايةَ بلدٍ، فيما بَلَغَنا، ولو جازَ ذلك لم يَخْلُ منه جميعُ الزَّمانِ غالبًا. وأما كمالُ الخِلْقةِ، فأنْ يكونَ مُتَكلِّمًا سميعًا بصيرًا؛ لأنَّ الأخْرَسَ لا يُمْكِنُه النُّطْقُ بالحُكْمِ، ولا يَفْهمُ جميعُ النَّاسِ إشارتَه، والأصَمَّ لا يَسْمعُ قولَ الخَصْمَينِ، والأعْمَى لا يعْرِفُ المُدَّعِىَ مِن المُدَّعَى عليه، والمُقِرَّ مِن المُقَرِّ له، والشَّاهِدَ من المَشْهودِ له. وقال بعضُ أصحابِ الشَّافعيِّ: يجوزُ أن يكونَ أعْمَى؛ لأنَّ شُعَيْبًا كان أعْمَى. ولهم في الأخْرسِ الذي تُفهَمُ إشارتُه وَجْهان. ولَنا، أنَّ هذه الحَواسَّ تُؤثِّرُ في الشَّهادةِ، فيَمْنَعُ فَقدُها وِلايةَ القضاءِ كالسَّمعِ؛ وهذا لأنَّ مَنْصِبَ الشَّهادةِ دون مَنْصِبِ القَضاءِ، والشاهدَ يشهدُ في أشياءَ يسيرةٍ يُحتاجُ إليه فيها، وربما أحَاطَ بحقيقةِ عِلْمِها، والقاضيَ وِلايتُه عامَّةٌ، ويَحْكمُ في قَضايا الناسِ عامَّةً، فإذا لم تُقْبَلْ منه الشَّهادةُ، فالقضاءُ أوْلَى، وما ذكَرُوه عن شُعَيبٍ [عليه السلامُ] (٥)، فلا نُسَلِّمُ فيه، فإنَّه لم يَثْبُتْ أَنَّه كان أعْمَى، ولو ثبَتَ فيه ذلك، فلا يَلْزَمُ هاهُنا، فإنَّ شُعيبًا، عليه السلامُ، كان مَن آمنَ معه مِن الناسِ قليلًا، وربَّما لا يَحْتاجونَ إلى حَكَمٍ بينهم لِقِلَّتِهم وتَناصُفِهم، فلا يكونُ حُجَّةً في مسْألتِنا. الشرط الثاني، العدالةُ، فلا يجوزُ تَوْلِيَةُ فاسقٍ، ولا مَن فيه نَقْصٌ يَمْنَعُ الشَّهادةَ، وسنذكرُ ذلك في الشَّهادةِ، إنْ شاءَ اللهُ تعالى. وحُكِيَ عن الأصمِّ، أنه قال: يجوزُ أنْ يكونَ القاضي


= ابن الهيثم، من كتاب الفتن. صحيح البخاري ٦/ ١٠، ٩/ ٧٠. والترمذي، في: باب حدثنا محمد بن المثنى، من أبواب الفتن. عارضة الأحوذي ٩/ ١١٨، ١١٩. والنسائي، في: باب النهي عن استعمال النساء في الحكم، من كتاب القضاة. المجتبى ٨/ ٢٠٠. والإمام أحمد، في: المسند ٥/ ٣٨، ٤٣، ٤٧، ٥٠، ٥١.
(٤) سورة البقرة ٢٨٢.
(٥) سقط من: م.

<<  <  ج: ص:  >  >>