للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالغَسْلِ. قال عَطاءٌ: يُجْزِئُه غَسْلَةٌ واحِدَةٌ إنْ أنْقَوْه. وقال أحمدُ: لا يُعْجِبُنِى أن يُغَسَّلَ وَاحِدَةً؛ لأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "اغْسِلْنَها ثَلَاثًا، أوْ خَمْسًا". وهذا على سَبِيلِ الكَرَاهَةِ دُونَ الإِجْزَاءِ؛ لما ذَكَرْنَاهُ، ولأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال في المُحْرِمِ الذي وَقَصَتْهُ نَاقَتُه: "اغْسِلُوهُ بمَاءٍ وسِدْرٍ" (١). ولم يَذْكُرْ عَدَدًا. وقال ابنُ عَقِيلٍ: يَحْتَمِلُ أن لا تُعْتَبَرَ النِّيَّةُ؛ لأنَّ القَصْدَ التَّنْظِيفُ، فأشْبَهَ غَسْلَ النَّجَاسَةِ (٢)، ولا يصحُّ هذا؛ لأنَّه لو كان كذلك لَما وَجَبَ غَسْلُ مُتَنَظِّفٍ، ولَجازَ غَسْلُه بماءِ الوَرْدِ وسَائِرِ ما يَحْصُلُ به التَّنْظِيفُ، وإنَّما هو غُسْلُ تَعَبُّدٍ، أشْبَهَ غُسْلَ الجَنابةِ.

٣٤٣ - مسألة؛ قال: (ويُنَشِّفُه بِثَوْبٍ، ويُجَمِّرُ أَكْفَانَهُ)

وجُمْلَتُه أنَّه إذا فَرَغَ الغَاسِلُ من غَسْلِ المَيِّتِ، نَشَّفَهُ بِثَوْبٍ لئلَّا يَبُلَّ أكْفانَه، وفي حَدِيثِ أُمِّ سُلَيْمٍ: "فَإذَا فَرَغْتِ مِنْهَا، فَأَلْقِى عَلَيْهَا ثَوْبًا نَظِيفًا" (١). وذَكَرَ القاضي في حَدِيثِ ابنِ عَبَّاسٍ، في غُسْلِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: فَجَفَّفُوهُ بِثَوْبٍ (٢). ومعنى تَجْمِيرِ أكْفانِه تَبْخِيرُها بالعُودِ، وهو أن يُتْرَكَ العُودُ على النَّارِ في مِجْمَرٍ، ثم يُبخَّرُ به الكَفَنُ حتى تَعْبَقَ رَائِحَتُه، ويَطِيبَ، ويكونُ ذلك بعد أن يُرَشَّ عليه مَاءُ الوَرْدِ، لِتَعْلَقَ الرَّائِحَةُ به. وقد رُوِىَ عن جابِرٍ قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا جَمَّرْتُمُ المَيِّتَ فَجَمِّرُوهُ ثَلَاثًا" (٣). وأوْصَى أبو سعيدٍ، وابنُ عمرَ، وابنُ عَبَّاسٍ أن تُجَمَّرَ أكْفانُهم بالعُودِ. وقال أبو هُرَيْرَةَ: يُجَمَّرُ الميِّتُ. ولأنَّ هذا عَادَةُ الحَىِّ عند غُسْلِه، وتَجْمِيرِ (٤) ثِيَابِه، أن يُجَمّرَ بالطِّيبِ والعُودِ، فكذلك المَيِّتُ.


(١) تقدم تخريجه من حديث ابن عباس في صفحة ٣٧٦.
(٢) في أ: "الجنابة".
(١) تقدم تخريجه في صفحة ٣٧٣.
(٢) أخرج عبد الرزاق نحوه، عن هشام بن عروة، بلفظ: لف النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في ثوب حبرة جُفِّف فيه. المصنف ٣/ ٤٢٢.
(٣) أخرجه الإِمام أحمد، في: المسند ٣/ ٣٣١.
(٤) في أ، م: "وتجديد".

<<  <  ج: ص:  >  >>