للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بإطْلاقِ الشَّارِعِ، فيَنْصَرِفُ إلى ما ذَكَرْناه، كالصَّاعِ الواجِبِ في الفِطْرَةِ. ولا يَجِبُ أنْ يكونَ من الأجْوَدِ، بل يجوزُ أنْ يكونَ من أدْنَى ما يَقَعُ عليه اسْمُ الجَيِّدِ. ولا فَرْقَ بين أنْ تكونَ قِيمَةُ التَّمْرِ مثلَ قِيمَةِ لَبَنِ (٦) الشَّاةِ، أو أقَلَّ، أو أكْثَرَ، نَصَّ عليه أحمدُ. وليس هذا جَمْعًا بين البَدَلِ والمُبْدَلِ، لأنَّ التَّمْرَ بَدَلُ اللَّبَنِ، قَدَّرَه الشَّرْعُ به، كما قَدَّرَ في يَدَىِ العَبْدِ قِيمَتَه، وفي يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ قِيمَتَه مَرَّتَيْنِ، مع بَقاءِ العَبْدِ على مِلْكِ سَيِّدِه. وإنْ عَدِمَ التَّمْرَ في مَوْضِعِه، فعليه قِيمَتُه في المَوْضِع الذى وَقَعَ عليه العَقْدُ؛ لأنَّه بِمَثَابةِ عَيْنٍ أتْلَفَها، فَيَجِبُ عليه قِيمَتُها.

فصل: وإنْ عَلِمَ بِالتَّصْرِيَةِ قبلَ حَلْبِها، مثل أنْ أقَرَّ به البائِعُ، أو شَهِدَ به من تُقْبَلُ شهادَتُه، فلَه رَدُّها، ولا شَىْءَ معها؛ لأنَّ التَّمْرَ إنَّما وَجَبَ بَدَلًا لِلَّبَنِ المُحْتَلَبِ، ولذلك قال رسولُ اللَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَن اشْتَرَى غَنَمًا مُصَرَّاةً فَاحْتَلَبَها، فإنْ رَضِيَها أمْسَكَها، وإنْ سَخِطَها، فَفِى حَلْبَتِها صَاعٌ من تَمْرٍ" (٧). ولم يَأْخُذْ لها لَبَنًا هاهُنا، فلم يَلْزَمْه رَدُّ شيءٍ معها. وهذا قولُ مالِكٍ. قال ابنُ عبدِ البَرِّ: هذا ما لا خِلافَ فيه. وأمَّا لو احْتَلَبَها وتَرَكَ اللَّبَنَ بحالِه ثم رَدَّها، رَدَّ لَبَنها، ولا يُلْزِمُه أيضًا بشىءٍ؛ لأنَّ المَبِيعَ إذا كان موجُودًا فرَدَّه، لم يَلْزَمْه بَدَلُه. فإنْ أبَى البائِعُ قَبُولَه، وطَلَبَ التَّمْرَ، لم يكُنْ له ذلك، إذا كان بحالِه لم يَتَغَيَّرْ. وقيل: لا يَلْزَمُه قَبُولُه؛ لِظاهِرِ الخَبَرِ، ولأنَّه قد نَقَصَ بِالحَلْبِ، وكونُه في الضَّرْعِ أحْفَظَ له. ولَنا، أنَّه قَدَرَ على رَدِّ المُبْدَلِ، فلم يَلْزَمْه البَدَلُ، كَسائِرِ المُبْدَلاتِ مع أبْدالِها. والحَلْبُ (٨) المُرادُ به رَدُّ التَّمْرِ، حالَ عدمِ اللَّبَنِ؛ لقوله: "فَفِى حَلْبَتِها صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ". ولما ذَكَرْنا من المَعْنَى. وقولُهم: إنَّ الضَّرْعَ أحْفَظُ له. لا يَصِحُّ؛ لأنَّه لا يُمْكِنْ إبْقاؤُه في الضَّرْعِ على الدَّوامِ، وبَقاؤُه يَضُرُّ بالحيوانِ. وإنْ كان اللَّبَنُ قد تَغَيَّرَ،


(٦) سقط من: الأصل.
(٧) تقدم تخريجه في صفحة ٢١٥.
(٨) في م: "والحديث".

<<  <  ج: ص:  >  >>