للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبي لَيْلَى. وحُكِىَ عَن زُفَرَ أنَّه يَرُدُّ صاعًا من تَمْرٍ، أو نِصْفَ صاعٍ من بُرٍّ، بناءً على قَوْلِهِم في الفِطْرَةِ والكَفَّارَةِ. ولَنا، الحَدِيثُ الصَّحِيحُ الذى أوْرَدْناه، وهو المُعْتَمَدُ عليه في هذه المَسْأَلَةِ. وقد نَصَّ فيه على التَّمْرِ فقال: "إنْ شَاءَ رَدَّهَا وصَاعًا من تَمْرٍ". وفي لَفْظٍ للبخاريِّ: "مَن اشْتَرَى غَنَمًا مُصَرَّاةً فَاحْتَلَبَها، فإنْ رَضِيَها أَمسَكَهَا، وإنْ سَخِطهَا ففى حَلْبَتِهَا صَاعٌ من تمْرٍ" (٤) وفي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ، رواه ابنُ سِيرِينَ، عن أبي هُرَيْرَةَ، عن النّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "رَدَّهَا (٥)، وَرَدَّ صَاعًا من تَمْرٍ لا سَمْرَاءَ" وفِى لَفْظٍ له: "طَعَامًا لَا سَمْرَاءَ" يعنى لا يَرُدُّ قَمْحًا. والمُرادُ بالطَّعَامِ هاهُنا التَّمْرُ؛ لأنَّه مُطْلَقٌ في أحَدِ الحَدِيثَيْنِ، مُقَيَّدٌ في الآخَرِ، في قَضِيَّةٍ واحِدَةٍ، والمُطْلَقُ فيما هذا سَبِيلُه يُحْمَلُ على المُقَيَّدِ. وحَديثُ ابن عُمَرَ مُطَّرَحُ الظاهر بالاتِّفاقِ؛ إذ لا قائِلَ بإِيجابِ مثلِ لَبَنِها أو مِثْلَىْ لَبَنِها قَمْحًا، ثم قد شَكَّ فيه الرَّاوِى، وخالَفَتْه الأحادِيثُ الصِّحاحُ، فلا يُعَوَّلُ عليه. وقِياسُ أبي يوسفَ مُخالِفٌ لِلنَّصِّ، فلا يُلْتَفَتُ إليه، ولا يَيْعُدُ أنْ يُقَدِّرَ الشَّرْعُ، بَدَلَ هذا المُتْلَفِ، قَطْعًا لِلخُصُومَةِ، ودَفْعًا لِلتَّنازُعِ، كما قَدَّرَ بَدَلَ الآدَمِيِّ وَدِيَةَ أطْرافِه، ولا يمكنُ حَمْلُ الحَدِيثِ على أنَّ الصَّاعَ كان قِيمَةَ اللَّبَنِ، فلذلك أَوْجَبَه، لِوُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ؛ أحدُها، أنَّ القِيمَةَ هى الأثْمانُ لا التَّمْرُ. الثاني، أنَّه أوْجَبَ في المُصَرَّاةِ من الإبِلِ والغَنَمِ جَمِيعًا صاعًا من تَمْرٍ، مع اختلافِ لَبَنِها. الثالث، أنَّ لَفْظَه لِلْعُمُومِ، فيَتَناوَلُ كلَّ مُصَرَّاةٍ، ولا يَتَّفِقُ أنْ تكونَ قِيمَةُ لَبَنِ كلِّ مُصَرَّاةٍ صاعًا، وإنْ أمْكنَ أنْ يكونَ كذلك، فيَتَعَيَّنُ ايجابُ الصَّاعِ؛ لأنَّه القِيمَةُ التى عَيَّنَ الشَّارِعُ إِيجابَها؛ فلا يجوزُ أنْ يَعِدلَ عنها، وإذ قد ثَبَتَ هذا، فإنَّه يَجِبُ أنْ يكونَ الصَّاعُ من التَّمْرِ جَيِّدًا، غيرَ مَعِيبٍ؛ لأنَّه واجِبٌ


(٤) الحديث تقدم تخريجه في الصفحة قبل السابقة. وهذا اللفظ أخرجه البخاري، في: باب إن شاء رد المصراة وفي حلبتها صاع من تمر، من كتاب البيوع. صحيح البخاري ٣/ ٩٣. ولفظ مسلم أخرجه، في: باب حكم المصراة، من كتاب البيوع. صحيح مسلم ٣/ ١١٥٨، ١١٥٩.
(٥) سقط من: م.

<<  <  ج: ص:  >  >>