للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجْهان. ولَنا، أنَّه حَلَفَ على ما لا يُمْكِنُه فِعْلُ جَمِيعِه، فتناوَلَتْ يَمِينُه بعضَه مُنْفرِدًا، كاسمِ الجِنْسِ.

فصل (٦): فإنْ حَلَفَ: لا شَرِبْتُ من الفُراتِ، فشَرِبَ من مائِه، حَنِثَ، سواءٌ كَرَعَ (٧) فيه، أو اغْترفَ منه ثم شَرِبَ. وبهذا قال الشافِعِىُّ، وأبو يوسفَ، ومحمدٌ. وقال أبو حنيفةَ: لا يَحْنَثُ حتى يكْرَعَ فيه؛ لأنَّ حَقِيقَةَ ذلك الكَرْعُ، فلم يَحْنَثْ بغَيْرِه، كما لو حَلَفَ: لا شَرِبْتُ من هذا الإِناءِ. فصبَّ منه فى غيرِه وشَرِبَ. ولَنا، أَنَّ مَعْنَى يَمِينِه أَنْ لا يَشْرَبَ من ماءِ الفُراتِ؛ لأنَّ الشُّرْبَ يكونُ من مائِها، لا منها (٨) فى العُرفِ، فحُمِلَتْ اليَمِينُ عليه، كما لو حَلَفَ: لا شَرِبْتُ من هذه البِئْرِ، ولا أَكَلْتُ من هذه الشَّجَرَةِ، ولا شَرِبْتُ من هذه الشاةِ. ويُفارقُ الكُوزَ؛ لأنَّ (٩) الشُّرْبَ فى العُرْفِ منه؛ لأنَّه آلةٌ للشُّرْبِ، بخلافِ النَّهْرِ، وما ذَكَرُوه يبْطُلُ بالبِئْرِ والشَّاةِ والشجَرَةِ، وقد سَلَّمُوا أنَّه لو اسْتَقَى من البئْرِ، أو احْتَلَبَ لبنَ الشَّاةِ، أو الْتَقَطَ من الشَّجَرَةِ، وشَرِبَ وأَكَلَ، حَنِثَ، فكذا فى مسَألَتِنا.

فصل: وإِنْ حَلَفَ لا يَشْربُ من ماءِ الفُراتِ، فشَرِبَ من نَهْرٍ يَأْخُذُ منه، حَنِثَ؛ لأنَّه يأْخُذُ (١٠) من ماءِ الفُراتِ. وإِنْ (١١) حَلَفَ لا يَشْرَبُ من (١٢) الفُراتِ، فشَرِبَ من نَهْرٍ يأخُذُ منه (١٣)، ففيه وَجْهان؛ أحدُهما، يَحْنَثُ؛ لأَنَّ مَعْنَى الشُّرْبِ منه الشُّرْبُ من مائِه، فحَنِثَ، كما لو حَلَفَ: لا شَرِبْتُ من مائِه. وهذا أحَدُ الاحْتِمالَيْنِ لأَصْحابِ الشافِعِىِّ. والثانى، لا يَحْنَثُ. وهو قولُ أبى حنيفةَ وأصْحابِه، إِلَّا أبا يوسف، فإِنَّ عنه رِوايَةً، أنَّه (١٤) يَحْنَثُ. وإنَّما قُلْنا: إنَّه لا يَحْنَثُ؛ لأنَّ ما أَخَذَه النَّهْرُ يُضافُ إلى ذلك


(٦) سقط من: م.
(٧) كرع فى الماء: تناول بفيه من موضعه، من غير أن يشرب بكفيه ولا بإناء.
(٨) فى م: "ومنها".
(٩) فى م: "فإن".
(١٠) سقط من: أ، ب، م.
(١١) فى م: "ولو".
(١٢) فى النسخ زيادة: "ماء". وهو تكرار للمسألة السابقة.
(١٣) سقط من: الأصل.
(١٤) لم يرد فى الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>