للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَقْتَضِى التَّحْرِيمَ، ولو كان إلى اسْتِصْلاحِها سبيلٌ، لم تَجُزْ إراقَتُها، بل أرْشَدَهم إليه، سِيَّمَا وهى لأَيْتَامٍ يحْرُمُ التَّفْرِيطُ في أمْوالِهِم؛ ولأنَّه إجماعُ الصَّحَابَةِ، فرُوِىَ أنَّ عمرَ، رَضِىَ اللهُ عنه، صَعِدَ المنبرَ، فقال (٥): لَا يَحِلُّ خَلُّ خَمْرٍ أُفْسِدَتْ، حتى يكونَ اللهُ تعالى هو تَوَلَّى إفْسادَها. ولا بأسَ على مسلمٍ ابْتاعَ من أهل الكِتَابِ خَلًّا، ما لم يتعمَّدْ لإِفْسادِها، فعند ذلك يقَعُ النَّهْىُ. رواه أبو عُبَيْدٍ في "الأموالِ" (٦) بنَحْوٍ من هذا المعنى. وهذا قولٌ يَشْتَهِرُ؛ لأنَّه خَطَبَ به النَّاسَ على المنبرِ، فلم يُنْكَرْ. فأمَّا إذا انْقَلبتْ بنفسِها، فإنَّها تَطْهُرُ وتَحِلُّ، في قولِ جميعِهم، فقد رُوِىَ عن جماعَةٍ من الأوائلِ، أنَّهم اصْطَبَغُوا بخلِّ خمرٍ؛ منهم علىٌّ، وأبو الدَّرْدَاءِ، وابنُ عمرَ، وعائِشَةُ. ورَخَّصَ فيه الحَسَنُ، وسعيدُ بنُ جُبَيرٍ. وليس في شيءٍ من أخبارِهم أنَّهم اتخذُوه خَلًّا، ولا أنَّه انْقَلبَ بنفسِه، لكن قد بيَّنَه عمرُ بقَوْلِه: لا يَحِلُّ خَلُّ خمرٍ أُفْسِدَتْ، حتى يكونَ اللهُ هو يَتَوَلَّى إفْسادَها. ولأنَّها إذا انْقَلبتْ بنفسِها، فقد زالَتْ عِلَّةُ تَحْرِيمِها، من غيرِ عِلَّةٍ خَلَفَتْها، فطَهُرَتْ، كالماءِ إذا زالَ تَغَيُّرهُ (٧) بِمُكْثِه. وإذا أُلْقِىَ فيها شَىْءٌ تَنَجَّسَ بها، ثم (٨) انْقَلبَتْ، بَقِىَ ما أُلْقِىَ فيها نَجِسًا، فَنَجَّسَها وحَرَّمَها. فأمَّا إن نَقَلَها من مَوْضِعٍ إلى آخَرَ، فتخلَّلَتْ من غيرِ أن يُلْقِىَ فيها شيئًا، فإن لم يَكُنْ قَصَدَ تخْليلَها، حَلَّتْ بذلك؛ لأنَّها تخلَّلَتْ بفِعْلِ اللهِ تعالى فيها. وإن قَصَدَ بذلك تَخْليلَها، احْتَمَلَ أن تَطْهُرَ؛ لأنَّه لا فَرْقَ بينهما إلَّا القَصْدُ، فلا يَقْتَضِى تَحْرِيمَها. ويَحْتَمِلُ أن لا تَطْهُرَ؛ لأنَّها خُلِّلَتْ، فلم تَطْهُرْ، كما لو أُلْقِىَ فيها شيءٌ.

١٦٠٧ - مسألة؛ قال: (والشُّرْبُ في آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ حَرَامٌ)


= كما أخرجه الإِمام أحمد، في: المسند ٣/ ١١٩، ١٨٠، ٢٦٠.
(٥) سقط من: ب.
(٦) في: باب ما يجوز لأهل الذمة أن يحدثوا. . ., من كتاب فتوح الأرضين صلحا وسننها وأحكامها. الأموال ١٠٤.
(٧) في م: "تغير".
(٨) في م زيادة: "إذا".

<<  <  ج: ص:  >  >>