للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك إِنْ حَلَفَ لا يَرْكَبُ دابَّةً هو راكِبُها، فإنْ نَزَلَ فى أَوَّلِ حالَةِ الإِمْكانِ، وإلَّا حَنِثَ. وبهذا قال الشافِعِىُّ، وأصحابُ الرَّأْىِ. وقال أبو ثَوْرٍ: لا يَحْنَثُ باسْتِدامَةِ (٣) اللبْسِ والرُّكُوبِ حتى يَبْتَدِئَه؛ لأَنَّه لو حَلَفَ لا يَتَزَوَّجُ ولا يَتَطَهَّرُ، فاسْتَدامَ ذلك، لم يَحْنَثْ. كذا ههُنا. ولَنا، أَنَّ اسْتِدامَةَ اللُّبْسِ والرُّكوبِ تُسَمَّى لُبْسًا ورُكُوبًا، ويُسَمَّى به لابِسًا وراكِبًا، ولذلك يقالُ: لبِسْتُ هذا الثوبَ شَهْرًا، ورَكِبْتُ دابَّتِى يومًا. فحَنِثَ باسْتِدامَتِه، كما لو حَلَفَ لا يَسْكُنُ، فاسْتدامَ السُّكْنَى، وقد اعْتَبَرَ الشَّرْعُ هذا فى الإِحْرامِ، حيث حَرَّمَ لُبْسَ المَخِيطِ، فَأَوْجَبَ الكفَّارَةَ فى اسْتِدامَتِهِ، كَما أَوْجَبَها فى ابْتِدائِه، وفارقَ التَّزْويجَ، فإنَّه لا يُطْلَقُ على الاسْتِدامَةِ، فلا يقالُ: تَزَوَّجْتُ شَهْرًا. وإنَّما يُقال: مُنْذُ شَهْرٍ. ولهذا لم تَحْرُم اسْتِدامَتُه فى الإِحْرامِ كابْتِدائِه.

فصل: وإِنْ حَلَفَ لا يَتَزَوَّجُ، ولا يَتَطَيَّبُ، ولا يَتَطَهَّرُ، فاسْتَدامَ ذلك، لم يَحْنَثْ فى قولِهم جميعًا؛ لأنَّه لا يُطْلَقُ على مُسْتديمِ هذه الأَفْعالِ اسمُ الفِعْلِ، فلا يُقالُ: تَزَوَّجْتُ شَهْرًا. ولا: تَطَهَّرْتُ شَهْرًا. ولا: تَطَيَّبْتُ شَهْرًا. وإنَّما يُقالُ: مُنْذُ شَهْرٍ. ولم يُنَزِّلِ الشارِعُ اسْتِدامَةَ التَّزْويج والطِّيبِ مَنْزِلَةَ ابْتدائِهما (٤) فى تَحْرِيمِه فى الإِحْرامِ، وإيجابِ الكَفَّارةِ فيه.

فصل: وإِنْ حَلَفَ أَنْ (٥) لا يَدْخُلَ دارًا هو فيها، فأقامَ فيها، ففيه وَجْهان؛ أحَدُهما، يَحْنَثُ؛ لأنَّ اسْتِدامَةَ المُقامِ فى مِلْكِ الغَيْرِ كابْتِدائِه فى التَّحْريِم. قال أحمدُ، فى رجُلٍ حَلَفَ على امْرَأَتِه: لا دَخَلْتُ أنا وأنْتِ هذه الدارَ. وهما جميعًا فيها، قال: أخافُ أَنْ يكونَ قد حَنِثَ. والثانى، لا يَحْنَثُ. ذكَرَه القاضِى، واخْتارَهُ أبو الخَطَّابِ، وهو قَوْلُ أصحابِ الرَّأْىِ؛ لأنَّ الدُّخُولَ لا يُسْتَعْمَلُ فى الاسْتِدامَةِ، ولهذا يُقالُ: دَخَلْتُها مُنْذ شَهْرٍ. ولا يقالُ: دَخَلْتُها شَهْرًا. فجرَى مَجْرَى التَّزْوِيِح، ولأَنَّ الدُّخولَ الانْفِصالُ من خارِجٍ إلى داخِلٍ، ولا يُوجَدُ فى الإِقامَةِ. وللشافِعِىِّ قَوْلان، كالوَجْهَيْن. ويَحْتَمِلُ أنّ مَنْ (٦) أَحْنَثَه


(٣) فى ب، م: "باستدامته".
(٤) فى م: "ابتدائها".
(٥) سقط من: أ، ب، م.
(٦) سقط من: ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>