للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَيِّتَةً، ولأنَّ معنى هذا أنَّ أُمَّكَ زَنَتْ، فأتَتْ بِكَ من الزِّنَى، فإذا كان (٩) الزِّنَى مَنْسُوبًا إليها، كانتْ هي المقذُوفةَ دُونَ ولدِها. ولَنا، ما ذكرْناه، ولأنَّه لو كان القَذْفُ لها، لم يجبِ الحَدُّ؛ لأنَّ الكافِرَ لا يَرِثُ المسلمَ، والعبدَ لا يرِثُ الحُرَّ، ولأنَّهم لا يُوجِبُونَ الحَدَّ بقَذْفِ مَيِّتَةٍ بحالٍ، فيَثْبُتُ أنَّ القذفَ له، فيُعْتَبَرُ إحْصانُه دونَ إحْصانِها. واللهُ أعلمُ.

فصل: وإن قُذِفَتْ جَدَّتُه، فقياسُ قولِ الْخِرَقِىِّ، أنَّه كَقَذْفِ أُمِّه، إن كانتْ حَيَّةً، فالحَقُّ لها، ويُعْتَبَرُ إحْصانُها (١٠)، وليس لغيرِها المُطالَبَةُ عنها. وإن كانتْ مَيِّتَةً، فلَه المُطالَبَةُ إذا كان مُحْصَنًا؛ لأنَّ ذلك قَدْحٌ في نَسَبِه. فأمَّا إن قَذَفَ أباه، أو جَدَّه، أو أحدًا من أقاربِه غيرَ أمهاتِه بعدَ مَوْتِه، لم يجبِ الحَدُّ بقَذْفِه، في ظاهِرِ كلامِ الْخِرَقِىِّ؛ لأنَّه إنَّما أوجَبَ الحَدَّ (١١) بقَذْفِ أُمِّه حقًّا له، لِنَفْىِ نَسَبِه، لا حَقًّا للمَيِّتِ، ولهذا لم يُعْتَبَرْ إحْصانُ المَقْذوفَةِ، واعْتُبِرَ إحْصانُ الولَدِ، ومتى كان المَقْذُوفُ من غيرِ أُمَّهاتِه، لم يتضَمَّنْ نَفْىَ نَسَبِه، فلم يجبِ الحَدُّ. وهذا قولُ أبي بكرٍ، وأصْحابِ الرَّأْىِ. وقال الشافعيُّ: إنْ كانَ الميِّتُ مُحْصَنًا، فَلِوَلِيِّه المُطالَبَةُ به، وينقَسِمُ انْقِسامَ الميراثِ؛ لأنَّه قَذَفَ مُحْصَنًا، فيجبُ الحَدُّ على قاذِفِه، كالحَىِّ. ولَنا، أنَّه قَذْفُ من لا يُتَصَوَّرُ منه المُطالَبَةُ، فلم يجبِ الحَدُّ بَقْذَفِهِ، كالمجنونِ، أو نقولُ: قَذف مَنْ لا يَجِبُ الحَدُّ له، فلم يجبْ، كقَذْفِ غيرِ المُحْصَنِ، وفارَقَ قَذْفَ الحَىِّ، فإنَّ الحَدَّ يجبُ له.

١٥٧٥ - مسألة؛ قال: (وَمَنْ قَذَفَ أُمَّ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قُتِلَ، مُسْلِمًا كَانَ أو كَافِرًا)

يَعْنِى أنَّ حَدَّه القتلُ، ولا تُقْبَلُ تَوْبَتُه. نَصَّ عليه أحمدُ. وحكَى أبو الخطَّابِ رِوايةً أُخْرَى، أنَّ تَوْبتَه تُقْبَلُ. وبه قال أبو حنيفةَ، والشَّافِعِىُّ، مُسْلِمًا كان أو كافِرًا؛ لأنَّ هذا


(٩) في ب، م زيادة: "من".
(١٠) في ب، م: "بإحصانها".
(١١) سقط من: ب، م.

<<  <  ج: ص:  >  >>