للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدِّيَةِ في تَرِكَةِ الجانِي الأوَّلِ، أنَّ القِصاصَ إذا تَعَذَّرَ وَجَبَتِ الدِّيَةُ، كما لو مات، أو عَفَا بعضُ الشُّرَكاءِ، أو حَدَثَ مانِعٌ. وفارَقَ العَبْدَ الجانِيَ، فإنَّه ليس له مالٌ يَنْتَقِلُ إليه؛ فإن عَفَا أولياءُ الثاني على الدِّيَةِ، أخذُوها ودَفَعُوها إلى وَرَثةِ الأوَّلِ، فإن كانت عليه دُيُونٌ، ضُمَّ ما قَبَضُوا من الدِّيَةِ إلى سائرِ تَرِكَتِه، ثم ضَرَبَ أولياءُ المَقْتُولِ الأوَّلِ مع سائرِ أهلِ الدُّيُونِ في تَرِكَتِه ودِيَتِه، وإن أحَالَ وَرَثَةُ المقتولِ الثاني وَرَثَةَ المقتولِ الأوَّلِ بالدِّيةِ على القاتلِ الثاني (١١)، صَحَّتِ الْحَوالةُ. ويتَخَرّجُ أن تَجِبَ دِيَةُ القَتِيلِ الأوَّلِ على قاتِلِ (١٢) قاتِلِه ابتِداءً؛ لأنَّه أتْلَفَ مَحَلَّ حَقِّ وَرَثَتِه، فكان غَرَامَتُه عليه، كما لو قَتَلَ العَبْدَ الجانِيَ، وإن مات القاتِلُ عَمْدًا، وجبتِ الدِّيَةُ في تَرِكَتِه. وبهذا قال الشافعيُّ. وقال أبو حنيفةَ ومالكٌ: يَسْقُطُ حَقُّ وَلِيِّ الجِنايةِ. وتَوْجِيه المذْهبَيْنِ على (١١) ما تَقدَّم.

١٤٢٤ - مسألة؛ قال: (والطِّفْلُ، والزَّائلُ العَقْلِ، لَا يُقْتَلَانِ بِأَحَدٍ)

لا خِلافَ بين أهلِ العلمِ، أنَّه لا قِصاصَ على صَبِيٍّ ولا مَجْنونٍ، وكذلك كلُّ زائلِ العَقْلِ بسَبَبٍ يُعْذَرُ فيه، مثل النائمِ، والمُغْمَى عليه، ونحوِهما. والأصلُ في هذا قولُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثةٍ؛ عَن الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ، وعَن النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وعَنِ المَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ" (١). ولأنَّ القِصاصَ عُقوبةٌ مُغَلَّظةٌ، فلم تجبْ على الصَّبِيِّ وزائلِ العَقْلِ، كالحُدُودِ، ولأنَّهم ليس لهم قَصْدٌ صحيحٌ، فهم كالقاتلِ خَطَأً.

فصل: فإن اخْتَلَفَ الجانِي ووَلِيُّ الجِنايةِ، فقال الجانِي: كُنْتُ صَبِيًّا حالَ الجِنايةِ. وقال وليُّ الجنايةِ: كنتَ بالِغًا. فالقولُ قولُ الجانِي مع يَمينِه، إذا احْتَمَلَ الصِّدْقَ؛ لأنَّ الأصْلَ الصِّغَرُ، وبَراءةُ ذِمَّتِه من القِصاصِ. وإن قال: قَتَلْتُه وأنا مَجْنونٌ. وأنْكَرَ الوَلِيُّ جُنُونَه، فإن عُرِفَ له حالُ جُنُونٍ، فالقولُ قولُه أيضًا لذلك، وإن لم يُعْرَفْ


(١١) سقط من: ب.
(١٢) سقط من: م.
(١) تقدم تخريجه، في: ٢/ ٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>