للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: وإن وَكَّلَهُ في إِخْراجِ صَدَقَةٍ على المَسَاكِينِ وهو مِسْكِينٌ، أو أَوْصَى إليه بِتَفْرِيقِ ثُلُثه على قَوْمٍ وهو منهم، أو دَفَعَ إليه مَالًا وأمَرَهُ بِتَفْرِيقِه على من يُرِيدُ، أو دَفْعِهِ إلى من شَاءَ، فالمَنْصُوصُ عن أحمدَ أنَّه لا يجوزُ له أن يأْخُذَ منه شيئا، فإنَّ أحمدَ قال: إذا كان في يَدِه مالٌ لِلْمَساكِينِ وأَبْوابِ البِرِّ وهو مُحْتاجٌ، فلا يَأْكُلْ منه شيئا، وإنَّما أَمَرَهُ بِتَنْفِيذِه؛ وذلك لأنَّ إطْلَاقَ لَفْظِ المُوَكِّلِ يَنْصَرِفُ إلى دَفْعِه إلى غيرِه. ويَحْتَمِلُ أن يجوزَ له الأَخْذُ إذا تَنَاوَلَهُ عُمُومُ اللَّفْظِ، كالمَسَائِل التي تَقَدَّمَتْ، ولأنَّ المَعْنَى الذي حَصَلَ به الاسْتِحْقاقُ مُتَحَقِّقٌ فيه، واللَّفْظُ مُتَنَاوِلٌ له، فجازَ له الأَخْذُ كغيرِه. ويَحْتَمِلُ الرُّجُوع في ذلك إلى قَرَائِن الأَحْوالِ، فما غَلَبَ على الظَّنِّ فيه أنَّه أرَادَ العُمُومَ فيه وفى غيرِه، فله الأَخْذُ منه، وما غَلَبَ أنَّه لم يُرِدْهُ، فليس له الأَخْذُ، وما تَسَاوىَ فيه الأَمْرَانِ، احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. وهل له أن يُعْطِيَهُ لِوَلَدِه أو والِدِه أو امْرَأَتِه؟ فيه وَجْهَانِ؛ أوَّلُهما، جَوَازُه؛ لِدُخُولِهِم، في عُمُومِ لَفْظِه، ووُجُودِ المَعْنَى المُقْتَضِى لِجَوَازِ الدَّفْعِ إليهم. فأمَّا مَن تَلْزَمُه مُؤْنَتُه غيرَ هؤلاءِ، فيجوزُ الدَّفْعُ إليهم، كما يجوزُ دَفْعُ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ إليهم.

٨٤٥ - مسألة؛ قال: (وشِرَاءُ الرَّجُلِ لِنَفْسِهِ مِنْ مَالِ وَلَدِه الطِّفْلِ جَائِزٌ. وكَذلِكَ شِرَاؤُهُ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ)

يَعْنِى أنَّ الأَبَ يجوزُ أن يَشْتَرِىَ لِنَفْسِه من مالِ ابْنِه الذي في حِجْرِهِ. ويَبِيعَ وَلَدَهُ من مالِ نَفْسِه. وبهذا قال أبو حنيفةَ، والشَّافِعِىُّ، ومالِكٌ، والأَوْزَاعِىُّ. وزَادُوا الجَدَّ، فأبَاحُوا له ذلك. وقال زُفَر: لا يجوزُ؛ لأنَّ حُقُوقَ العَقْدِ تَتَعَلَّقُ بالعاقِدِ، فلا يجوزُ أن يَتَعَلَّقَ به حُكْمانِ مُتَضَادَّانِ، ولأنَّه لا يجوزُ أن يكونَ مُوجِبًا وقَابِلًا في عَقْدٍ واحِدٍ، كما لا يجوزُ أن يَتَزَوَّجَ (١) بِنْتَ عَمِّه من نَفْسِه. ولَنا، أنَّ هذا يَلِى بِنَفْسِه، فجَازَ أن يَتَوَلَّى طَرَفَىِ العَقْدِ، كالأَبِ يُزَوِّجُ ابنتَهُ عَبْدَه الصَّغِيرَ، والسَّيِّدِ يُزَوِّجُ عَبْدَهُ أمَتَهُ. ولا نُسَلِّمُ ما ذَكَرَهُ من تَعَلُّقِ حُقُوقِ العَقْدِ بالعاقِدِ لغيرِه. فأمَّا الجَدُّ فلا وِلَايَةَ له على ابنِ ابْنِه، على ما سَنَذْكُرُه في


(١) لعل الصواب: "يُزَوِّجَ".

<<  <  ج: ص:  >  >>