للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٩٥٥ - مسألة؛ قال: (وَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ، إلَّا أنْ يُجِيزَ الوَرَثَةُ ذلِكَ)

وجملةُ ذلك أنَّ الإِنْسانَ إذا وَصَّى لوَارِثِه بِوَصِيَّةٍ، فلم يُجِزْها سائِرُ الوَرَثةِ، لم تَصِحَّ. بغير خِلَافٍ بين العُلَماءِ. قال ابنُ المُنْذِرِ، وابنُ عبدِ البَرِّ: أجْمَعَ أهْلُ العِلْمِ على هذا. وجاءتِ الأخْبارُ عن رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بذلك فرَوَى أبو أُمَامةَ، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقولُ: "إنَّ اللهَ قَدْ أعْطَى كُلَّ ذِى حَقٍّ حَقَّه، فَلَا وَصِيّةَ لوارِثٍ". رَوَاه أبو داوُدَ. وابنُ ماجَه، والتِّرْمِذِيُّ (١). ولأنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مَنَعَ من عَطِيَّةِ بعضِ وَلَدِه (٢)، وتَفْضِيلِ بعضِهم على بعضٍ في حالِ الصِّحّةِ، وقُوَّةِ المِلْكِ، وإمْكانِ تَلَافِى العَدْلِ بينهم بإعْطاءِ الذي لم يُعْطِه فيما بعدَ ذلك، لما فيه من إِيقاعِ العَداوةِ والحَسَدِ بينهم، ففى حالِ مَوْتِه أو مَرَضِه، وضَعْفِ مِلْكِه، وتَعَلُّقِ الحُقُوقِ به، وتَعَذُّرِ تَلَافِى العَدْلِ بينهم، أَوْلَى وأحْرَى. وإن أجازَها، جازَتْ، في قول الجُمْهُورِ من العُلَماءِ. وقال بعضُ أصْحابِنا: الوَصِيَّةُ باطِلَةٌ، وإن أجازَها سائِرُ (٣) الوَرَثةِ، إلَّا أن يُعْطُوه عَطيَّةً مُبْتَدَأةً. أخْذًا من ظاهِرِ قولِ أحْمَدَ، في رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: لا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ. وهذا قولُ المُزَنِيِّ، وأهْلِ الظاهِرِ. وهو قولٌ لِلشّافِعِيِّ، واحْتَجُّوا بظاهِرِ قول النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ". وظاهِرُ مَذْهَبِ أحمدَ والشافِعِيِّ، أنَّ الوَصِيَّةَ صَحِيحَةٌ في نَفْسِها. وهو قول جُمْهُورِ العُلَماءِ؛ لأنَّه تَصَرُّفٌ صَدَرَ من أهْلِه في مَحَلِّه، فصَحَّ، كما لو وَصَّى لأَجْنَبِيٍّ، والخَبَرُ قد رُوِى فيه: "إلَّا أن يُجِيزَ الوَرَثةُ". والاسْتِثْناءُ من النَّفْىِ إثْباتٌ، فيكونُ ذلك دَلِيلًا على (٤) صِحَّةِ الوَصِيَّةِ عندَ الإِجَازَةِ، ولو خَلَا من الاسْتِثْناءِ كان مَعْناه لا وَصِيَّةَ نافِذَة أو لازِمَة، أو ما أشْبَه هذا، أو يُقَدَّرُ فيه: لا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ عندَ عَدَمِ الإِجَازَةِ من غيرِهِ من الوَرَثَةِ. وفائِدَةُ الخِلَافِ أنَّ الوَصِيَّةَ إذا كانت صَحِيحَةً،


(١) تقدم تخريجه في صفحة ٣٩٠.
(٢) تقدم تخريجه في صفحتى ٢٥٦، ٢٥٧.
(٣) سقط من الأصل، أ.
(٤) في الأصل، م: "من".

<<  <  ج: ص:  >  >>