للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوَقْتِ. لا يَصِحُّ؛ لأنَّها لو كانَتِ الأصْلَ لَوَجَبَ عليه فِعْلُها، وأثِمَ بِتَرْكِها، ولم تُجْزِه صلاةُ الجُمُعَةِ مع إمْكَانِها، فإنَّ البَدَلَ لا يُصارُ إليه إلَّا عندَ تَعَذُّرِ المُبْدَلِ، بدَلِيلِ سَائِرِ الأبْدالِ مع مُبْدَلَاتِها، ولأنَّ الظُّهْرَ لو صَحَّتْ لم تَبْطُلْ بالسَّعْىِ إلى غيرِها، كسائِرِ الصَّلَوَاتِ الصَّحِيحَةِ، ولأنَّ الصلاةَ إذا صَحَّتْ بَرِئَتِ الذِّمَّةُ منها، وأسْقَطَتِ الفَرْضَ عَمَّنْ صَلَّاها، فلا يَجُوزُ اشْتِغَالُها بها بعد ذلك، ولأنَّ الصلاةَ إذا فُرِغَ منها لم تَبْطُلْ بِشىءٍ مِن مُبْطِلَاتِها، فكَيْفَ تَبْطُلُ بما ليسَ من مُبْطِلاتِها، ولا وَرَدَ الشَّرْعُ به. فأمَّا إذا فَاتَتْهُ الجُمُعَةُ فإنَّه يَصِيرُ إلى الظُّهْرِ؛ لأنَّ الجُمُعَةَ لا يُمكنُ قَضَاؤُهَا؛ لأنَّها لا تَصِحُّ إلَّا بِشُرُوطِها، ولا يُوجَدُ ذلك في قَضَائِها، فتَعَيَّنَ المَصِيرُ إلى الظُّهْرِ عند عَدَمِها، وهذا حالُ البَدَلِ.

فصل: فإن صَلَّى الظُّهْرَ، ثم شَكَّ: هل صَلَّى قبل صلاةِ الإِمامِ أو بَعْدَها؟ لَزِمَهُ (٥) إعادَتُها؛ لأنَّ الأصْلَ بَقَاءُ الصلاةِ في ذِمَّتِه، فلا يَبْرَأُ منها إلَّا بِيَقِينٍ، ولأنَّه صَلَّاهَا مع الشَّكِّ في شَرْطِها، فلم تَصِحَّ، كما لو صَلَّاهَا مع الشَّكِّ في طَهارَتِها. وإن صَلَّاهَا مع صلاةِ الإِمامِ لم تَصِحَّ؛ لأنَّه صَلَّاها قبل فَراغِ الإِمامِ منها، أشْبَهَ ما لو صَلَّاهَا قَبْلَه في وَقْتٍ يَعْلَمُ أنَّه لا يُدْرِكُها.

فصل: فأمَّا مَن لا تَجِبُ عليه الجُمُعَةُ، كالمُسافِرِ، والعَبْدِ، والمَرْأةِ، والمَرِيضِ، وسائِرِ المَعْذُورِينَ، فله أن يُصَلِّىَ الظُّهْرَ قبلَ صلاةِ الإِمامِ في قولِ أكْثَرِ أهْلِ العِلْمِ. وقال أبو بكرٍ عبدُ العزيزِ: لا تَصِحُّ صلاتُه قبلَ الإِمامِ؛ لأنَّه لا يَتَيَقَّنُ بَقَاءَ العُذْرِ، فلم تَصِحَّ صلاتُه كغيرِ المَعْذُورِ. ولَنا، أنَّه لم يُخاطَبْ بالجُمُعَةِ، فصَحَّتْ منه الظُّهْرُ، كما لو كان بَعِيدًا من مَوْضِعِ الجُمُعَةِ. وقولُه: لا يَتَيَقَّنُ بَقاءَ العُذْرِ. قُلنا: أما المَرْأَةُ فمَعْلُومٌ بَقاءُ عُذْرِها، وأما غيرُها فالظَّاهِرُ بَقاءُ عُذرِهِ،


(٥) في الأصل: "لزمته".

<<  <  ج: ص:  >  >>