للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَقْضِى وهو خَيْرٌ منك. قال: إنَّ أبى قد كان يَقْضِى، وإنْ أشْكَلَ عليه شىءٌ، سألَ عنه رسولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وذكرَ الحديثَ (٢٧). روَاه عُمرُ بنُ شَبَّةَ، فى كتابِ "قُضاةِ البصرةِ". وروَى سعيدٌ، فى "سُنَنِه" عن عمرِو بنِ العاصِ. قال: جاءَ خَصْمانِ إلى رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال لى: "يَا عَمْرُو، اقْضِ بَيْنَهُمَا". قلتُ: أنت أوْلَى بذلك مِنّى يا رسولَ اللَّه. قال: "إنْ أَصبْتَ الْقَضَاءَ بَيْنَهُمَا، فَلَكَ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَإنْ أَخطَأْتَ، فَلَكَ حَسَنَةٌ" (٢٨). وعن عقبةَ بنِ عامرٍ مثلُه (٢٩). ولأنَّ الإِمامَ يَشْتَغِلُ بأشياءَ كثيرةٍ مِن مَصالحِ المسلمين، فلا يتَفرَّغُ للقضاءِ بينهم. فإذا وَلَّى قاضيًا، اسْتُحِبَّ أن يَجعلَ له أن يَسْتَخْلِفَ؛ لأنَّه قد يَحْتاجُ إلى ذلك، فإذا أذِنَ له فى الاسْتِخلافِ، جاز له بلا خلافٍ نَعْلَمُه، وإن نَهاهُ عنه، لم يكُنْ له أن يَسْتَخْلِفَ؛ لأنَّ وِلايتَه بإذْنِه، فلم يكُنْ له ما نَهاه عنه، كالوَكيلِ، وإن أطلقَ، فله الاسْتِخْلافُ. ويَحْتَمِلُ أن لا يكونَ له ذلك؛ لأنَّه يتصَرَّفُ بالإذْنِ، فلم يكُنْ له ما لم يأْذَنْ فيه (٣٠)، كالوَكيلِ. ولأصْحابِ الشَّافعىِّ فى هذا وَجْهان. ووَجهُ الأوَّل، أن الغَرَضَ من القضاءِ الفَصْلُ بين المُتخاصمَيْنِ، فإذا فعلَه بنفسِه أو بغيرِه، جاز، كما لو أذِنَ له، ويُفارقُ التَّوْكيلَ؛ لأنَّ الإمامَ يُوَلِّى القضاءَ للمُسلمين، لا لنفسِه، بخلافِ الوكيلِ (٣١)، فإنِ اسْتَخْلفَ فى مَوْضعٍ ليس له الاسْتِخْلافُ، فحُكْمُه حكمُ مَن لم يُوَلَّ.

فصل: ويجوزُ أن يُوَلِّى قاضيًا عُمومَ النَّظرِ فى خُصوصِ العملِ، فيُقلِّدَه النَّظرَ فى جميعِ الأحكامِ فى بلدٍ بعَيْنِه، فيَنْفُذُ حكمُه فى مَن سكنَه، ومَن أتَى إليه مِن غيرِ سُكَّانِه. ويجوزُ أن يقلِّدَه خُصوصَ النَّظرِ فى عُمومِ العَملِ، فيقولَ: قد (٣٢) جعلتُ إليكَ الحُكمَ فى المُدايَناتِ خاصَّةً، فى جميعِ وِلايَتِى. ويجوزُ أن يجعلَ حكمَه فى قدْرٍ من المالِ، نحو أن يقولَ:


(٢٧) تقدم تخريجه، فى: صفحة ٨.
(٢٨) أخرجه الإمام أحمد، فى: المسند ٤/ ٢٥، والحاكم، فى: كتاب الأحكام. المستدرك ٤/ ٨٨. والدارقطنى، فى: كتاب فى الأقضية والأحكام وغير ذلك. سنن الدارقطنى ٤/ ٢٠٣.
(٢٩) تقدم تخريجه، فى: صفحة ٦.
(٣٠) أى: الإمامُ.
(٣١) فى ب، م: "التوكيل".
(٣٢) سقط من: ب، م.

<<  <  ج: ص:  >  >>