للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللهُ، رِوايةٌ أُخْرَى، أنَّ عَلَى قَاتِلِ الْعَمْدِ تَحْرِيرَ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ)

الأصلُ في كفَّارةِ القتلِ قولُه تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} (٢). الآيةُ. وأجْمَعَ أهلُ العِلْمِ على أنَّ على القاتِلِ خَطَأً كفَارَةٌ سواءٌ كان المقْتُولُ ذَكَرًا أو أُنْثَى، وتجِبُ في قَتْلِ الصَّغِيرِ والكَبِيرِ، سواءٌ باشَرَه بالقَتْلِ، أو تَسَبَّبَ إلى قَتْلِه بِسَبَبٍ يَضْمَنُ به النَّفْسَ، كحَفْرِ البِئْرِ، ونَصْبِ السِّكِّينِ، وشهادةِ الزُّورِ. وبهذا قال مالكٌ. والشَّافِعيُّ. وقال أبو حنيفةَ: لا تجِبُ بالتَّسَبُّبِ؛ لأنَّه ليس بقتلٍ، ولأنَّه (٣) ضَمِنَ بَدَلَه بغيرِ مُباشَرَةٍ للقَتْلِ، فلم تَلْزَمْهُ الْكَفارةُ كالعاقِلَةِ. ولَنا، أنَّه كالمُباشرَةِ في الضَّمانِ، فكان كالمُباشرَةِ في الكفَّارَةِ، ولأنَّه سَبَبٌ لإِتْلافِ الآدَمِي، يَتَعَلَّقُ به ضَمَانُه، فَتَعَلَّقَتْ به الكَفَّارَةُ، كما لو كانَ رَاكِبًا فَأَوْطَأَ دَابَّتَهُ إِنْسانًا. وقِياسُهم يَنْتَقِضُ (٤) بالأبِ إذا أَكْرَه إنْسانًا على قَتْلِ ابْنِه؛ فإنَّ الكَفَّارةَ تَجبُ عليه مِن غيرِ مُبَاشَرَةٍ، وفَارَقَ العاقِلَةَ؛ فَإنَّها تَتَحَمَّل عن غيرِها. ولم يَصْدُرْ منها قَتْلٌ، ولا تَسَبُّبٌ إليه. وقولُهم: ليسَ بقتلٍ. مَمْنُوعٌ. قال القاضِي: ويَلْزَمُ الشُّهودَ الكَفَّارَةُ، سواءٌ قالوا: أَخْطأْنَا، أو تَعمَّدْنَا. وهذا يَدُلُّ على أنَّ القَتْلَ بالتَّسَبُّبِ (٥) تَجِبُ به الكَفَّارَةُ بِكلِّ حالٍ، ولا يُعْتَبَرُ فيه الْخطأُ والعَمْدُ؛ لأنَّه إنْ قَصَدَ به القتلَ، فهو جارٍ مَجْرَى الخَطَإِ، في أنَّه لا يَجِبُ به القِصاصُ.

فصل: وتجبُ الكفَّارَةُ بقَتْلِ العَبْدِ. وبه قال أبو حنيفةَ، والشافِعيُّ. وقال مالكٌ: لا تجبُ به، لأنَّه مَضْمونٌ بالقِيمةِ، أشْبَهَ البَهِيمةَ. ولَنا، عُمومُ قولِه تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ}. ولأنَّه يَجِبُ القِصاصُ بقَتْلِه، فتجبُ الكفَّارةُ به، كالحُرِّ، ولأنَّه مُؤْمِنٌ، فأشْبَهَ الحُرَّ، ويُفَارِقُ البهائمَ بذلك.


(٢) سورة النساء ٩٢.
(٣) في الأصل: "ولا".
(٤) في النسخ: "ينتقد".
(٥) في ب، م: "بالسبب".

<<  <  ج: ص:  >  >>