للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَفَرُه مُبَاحًا، فَنَوَى المَعْصِيَةَ بِسَفَرِه، ثم رَجَعَ إلى نِيَّةِ المُبَاحِ، اعْتُبِرَتْ مَسَافَةُ القَصْرِ من حِينَ رُجُوعِه إلى نِيَّةِ المُبَاحِ؛ لأنَّ حُكمَ سَفَرِه انْقَطَعَ بنِيَّةِ المَعْصِيَةِ، فأشْبَهَ ما لو نَوَى الإِقامةَ، ثم عادَ فنَوَى السَّفَرَ. فأمَّا إن كان السَّفَرُ مُبَاحًا، لكنَّه يَعْصِى فيه، لم يَمْنَعْ ذلك التَّرَخُّصَ؛ لأنَّ السَّبَبَ هو السَّفَرُ المُباحُ (١٤)، وقد وُجِدَ، فثَبَتَ حُكمُه، ولم يَمْنَعْهُ وُجُودُ مَعْصِيَةٍ، كما أنَّ مَعْصِيَتَهُ في الحَضَرِ لا تَمْنَعُ التَّرَخُّصَ فيه.

فصل: وفى سَفَرِ التَّنَزُّهِ والتَّفَرُّجِ رِوَايَتانِ: إحْدَاهما، تُبِيحُ التَّرَخُّصَ. وهذا ظَاهِرُ كلامِ الْخِرَقِىِّ؛ لأنه سَفَرٌ مُباحٌ، فدَخَلَ في عُمُومِ النُّصُوصِ المَذْكُورَةِ، وقِيَاسًا على سَفَرِ التِّجَارَةِ. والثَّانِيَةُ: لا يتَرخَّصُ فيه. قال أحمدُ: إذا خَرَجَ الرَّجُلُ إلى بعضِ البُلْدَانِ [تَنَزُّهًا وتَلَذُّذًا] (١٥)، وليس في طَلَبِ حَدِيثٍ ولا حَجٍّ ولا عُمْرَةٍ ولا تِجَارَةٍ، فإنَّه لا يَقْصُرُ الصلاةَ؛ لأنَّه إنَّما شُرِعَ إعَانَةً على تَحْصِيلِ المَصْلَحَةِ، ولا مَصْلَحَةَ في هذا. والأوَّلُ أوْلَى.

فصل: فإن سَافَرَ لزِيَارَةِ القُبُورِ والمَشَاهِدِ. فقال ابنُ عَقِيلٍ: لا يُبَاحُ له التَّرَخُّصُ؛ لأنَّه مَنْهِىٌّ عنِ السَّفَرِ إليها، قال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلى ثَلَاثةِ مَسَاجِدَ".، مُتَّفقٌ عليه (١٦). والصَّحِيحُ إباحَتُه، وجَوَازُ القَصْرِ فيه؛


(١٤) سقط من: الأصل.
(١٥) في الأصل: "متنزها ويتلذذ".
(١٦) أخرجه البخاري، في: باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، وباب مسجد بيت المقدس، من كتاب مسجد مكة، وفى: باب حج النساء، من كتاب جزاء الصيد، وفى: باب الصوم يوم النحر، من كتاب الصوم. صحيح البخاري ٢/ ٧٦، ٧٧، ٣/ ٢٥، ٥٦. ومسلم، في: باب سفر المرأة مع محرم إلى الحج وغيره، وباب لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، من كتاب الحج. صحيح مسلم ٢/ ٩٧٥، ٩٧٦، ١٠١٤. كما أخرجه أبو داود، في: باب في إتيان المدينة، من كتاب المناسك. سنن أبي داود ١/ ٤٦٩. والترمذي، في: باب ما جاء في أي المساجد أفضل، من أبواب الصلاة. عارضة الأحوذى ٢/ ١٢٣. والنسائي، في: باب ما تشد الرحال إليه من المساجد، من كتاب المساجد، وفى: باب ذكر الساعة التي يستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة، من كتاب الجمعة. المجتبى ٢/ ٣١، ٩٣، ٩٤. وابن ماجه، في: باب ما جاء في الصلاة في مسجد بيت المقدس، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه =

<<  <  ج: ص:  >  >>