للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه، ولأنَّه إذا نَذَرَ أَيَّامًا فيها جُمُعَةٌ، فكأنَّه اسْتَثْنَى الجُمُعَةَ بِلَفْظِه. ثمَّ تَبْطُلُ بما إذا نَذَرَتِ المَرْأَةُ أيَّامًا فيها عَادَةُ حَيْضِها، فإنَّه يَصِحُّ مع إمْكانِ فَرْضِها فى غيرِها، والأصْلُ غيرُ مُسَلَّمٍ. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّه إذا خَرَجَ لِواجِبٍ، فهو على اعْتِكافِه، ما لم يُطِلْ؛ لأنَّه خُرُوجٌ لما لا بُدَّ له منه، أَشْبَهَ الخُرُوجَ لِحاجَةِ الإِنْسانِ. فإن كان خُرُوجُه لِصَلَاةِ الجُمُعَةِ، فله أن يَتَعَجَّلَ. قال أحمدُ: أرْجُو أنَّ له ذلك؛ لأنَّه خُرُوجٌ جائِزٌ، فجازَ تَعْجِيلُه، كالخُرُوجِ لِحَاجَةِ الإِنْسانِ. فإذا صَلَّى الجُمُعَةَ، فإن أحَبَّ أن يَعْتَكِفَ فى الجامِعِ، فله ذلك؛ لأنَّه مَحَلٌّ للاعْتِكافِ، والمكَانُ لا يَتَعَيَّنُ للاعْتِكافِ بِنَذْرِه وتَعْيِينِه، فمع عَدَمِ ذلك أَوْلَى. وكذلك إن دَخَلَ فى طَرِيقِه مَسْجِدًا، فأتَمَّ اعْتِكافَه فيه، جازَ لذلك. وإن أَحَبَّ الرُّجُوعَ إلى مُعْتَكَفِه، فله ذلك؛ لأنَّه خَرَجَ من مُعْتَكَفِه، فكان له الرُّجُوعُ إليه، كما لو خَرَجَ إلى غيرِ جمعةٍ. قال بعضُ أصْحابِنا: يُسْتَحَبُّ له الإِسْراعُ إلى مُعْتَكَفِه. وقال أبو دَاوُدَ: قلتُ لأحمدَ: يَرْكَعُ -أعْنِى المُعْتَكِفَ- يومَ الجمعةِ بعدَ الصلاةِ فى المسجدِ؟ قال: نعم، بِقَدْرِ ما كان يَركَعُ. ويَحْتَمِلُ أن يكونَ الخِيَرَةُ إليه فى تَعْجِيلِ الرُّكُوعِ وتَأْخِيرِه؛ لأنَّه فى مَكانٍ يَصْلُحُ للاعْتِكافِ، فأشْبَهَ ما لو نَوَى الاعْتِكافَ فيه. فأمَّا إن خَرَجَ ابْتِداءً إلى مسجدٍ آخَرَ، أو إلى الجامِعِ من غيرِ حاجَةٍ، أو كان المسجدُ أَبْعَدَ من مَوْضِعِ حاجَتِه فمَضَى إليه، لم يَجُزْ له ذلك؛ لأنَّه خُرُوجٌ لغيرِ حاجَةٍ، أشْبَهَ ما لو خَرَجَ إلى غيرِ المسجدِ. فإن كان المَسْجِدَانِ مُتَلاصِقَيْنِ، يَخْرُجُ من أحَدِهما فيَصِيرُ فى الآخَرِ، فله الانْتِقالُ من أحَدِهما إلى الآخَرِ؛ لأنَّهما كمسجدٍ واحِدٍ، يَنْتَقِلُ من إحْدَى زَاوِيَتَيْهِ إلى الأُخْرَى. وإن كان يَمْشِى بينهما فى غيرِهما، لم يَجُزْ له الخُرُوجُ وإن قَرُبَ؛ لأنَّه خُرُوجٌ من المسجدِ لغيرِ حاجَةٍ واجِبَةٍ.

فصل: وإذا خَرَجَ لما لا بُدَّ منه، فليس عليه أن يَسْتَعْجِلَ في مَشْيِه، بل يمشِى على عادَتِه، لأنَّ عليه مَشَقَّةً فى إلْزَامِه غيرَ ذلك، وليس له الإِقامَةُ بعد قَضاءِ حاجَتِه

<<  <  ج: ص:  >  >>