للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك يَدُلُّ على غَرَضِه فيه، فلم يَتَنَاوَلْ إِذْنُه سِوَاه. وإن قال: اشْتَرِ لي عَبْدَيْنِ صَفْقةً. فاشْتَرَى عَبْدَيْنِ لِاثْنَيْنِ مُشْتَرَكَيْنِ بينهما، من وَكِيلِهما، أو من أحَدِهما بإِذْنِ الآخَرِ، جازَ. وإن كان لكلِّ واحدٍ منهما عَبْدٌ مُفْرَدٌ، فاشْتَرَاهما من المالِكَيْنِ، بأن أوْجَبَا له البَيْعَ فيهما، وقَبِلَ ذلك منهما بِلَفْظٍ واحدٍ، فقال القاضي: لا يَلْزَمُ المُوَكِّلَ. وهو مذهبُ الشَّافِعِىِّ؛ لأنَّ عَقْدَ الواحِدِ مغ الاثْنَيْنِ عَقْدَانِ. ويَحْتَمِلُ أن يَلْزَمَهُ؛ لأنَّ القَبُولَ هو الشِّرَاءُ، وهو مُتَّحِدٌ، والغَرَضُ لا يَخْتَلِفُ. وإن اشْتَرَاهما من وَكِيلِهما، وعَيَّنَ ثَمَنَ كلِّ واحدٍ منهما، مثل أن يقولَ: بِعْتُكَ (١٥) هذَيْنِ العَبْدَيْنِ، هذا بمائةٍ وهذا بمائتَيْنِ. فقال: قَبِلْتُ. احْتَمَلَ أيضًا وَجْهَيْنِ. وإن لم يُعَيِّنْ ثمَنَ كلِّ واحدٍ منهما، لم يَصِحَّ البَيْعُ في أحَدِ الوَجْهَيْنِ؛ لأنَّ ثمَنَ كلِّ واحدٍ منهما مَجْهُولٌ. ويَحْتَمِلُ أن يَصِحَّ ويُقَسَّطَ الثمَنُ على قَدْرِ قِيمَتِهما.

فصل: فإن دَفَعَ إليه دَراهِمَ، وقال: اشتَرِ لي بهذه عَبْدًا. كان له أن يَشْتَرِيَهُ بِعَيْنِها، وفى الذِّمَّةِ؛ لأنَّ الشِّرَاءَ يَقَعُ على هذَيْنِ الوَجْهَيْنِ، فإذا أَطْلَقَ الوَكَالةَ، كان له فِعْلُ ما شَاءَ منهما. وإن قال: اشْتَرِ بِعَيْنِها. فاشْتَرَاهُ في ذِمَّتِه، ثم نَقَدَها، لم يَلْزَمِ المُوَكِّلَ؛ لأنَّه إذا تَعَيَّنَ الثَّمَنُ، انْفَسَخَ العَقْدُ بِتَلَفِه، أو كَوْنِه مَغْصُوبًا، ولم يَلْزَمْهُ ثمَنٌ في ذِمَّتِه، وهذا غَرَضٌ لِلْمُوَكِّلِ، فلم تَجُزْ مُخَالَفَتُه، ويَقَعُ الشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ. وهل يَقِفُ على إِجَازَةِ المُوَكِّلِ؟ على رِوَايَتَيْنِ. وإن قال: اشْتَرِ لي في ذِمَّتِكَ، وانْقُدْ هذه الدَّرَاهِمَ ثمَنًا. فاشْتَرَاهُ بِعَيْنِها، فقال أصحابُنا: يَلْزَمُ المُوَكِّلَ؛ لأنَّه أَذِنَ له في عَقْدٍ يَلْزَمُه به الثمَنُ مع بَقَاءِ الدَّرَاهِم وتَلَفِها، فكان إِذْنًا في عَقْدٍ (١٦) لا يَلْزَمُه الثَّمَنُ إلَّا مع بَقائِها. ويَحْتَمِلُ أن لا يَصِحَّ؛ لأنَّه قد يكونُ له غَرَضٌ في الشِّرَاءِ بغير عَيْنِها، لكَوْنِها فيها شُبْهَةٌ لا يَجِبُ أن يَشْتَرِىَ بها، أو يَجِبُ وُقُوعُ العَقْدِ على وَجْهٍ لا يَنْفَسِخُ بِتَلَفِها، ولا يَبْطُلُ بِتَحْرِيمِها، وهذا غَرَضٌ صَحِيحٌ، فلا يجوزُ تَفْوِيتُه عليه، كما لم يَجُزْ تَفْوِيتُ غَرَضِه في الصُّورةِ


(١٥) في الأصل زيادة: "ثمن".
(١٦) في م: "عبد".

<<  <  ج: ص:  >  >>