للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: وإن شَرَطَ فى المَبِيعِ (٢٧) إن هو باعَهُ فالبائِعُ أحَقُّ به بالثَّمَنِ. فرَوَى المَرُّوذِيُّ (٢٨) عنه أنَّه قال: فى مَعْنَى حَدِيثِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا شَرْطَانِ فى بَيْعٍ" (٢٩). يعنى أنَّه فاسِدٌ؛ لأنَّه شَرَطَ أن يَبِيعَه إيَّاهُ، وأن يُعْطِيَهُ إيَّاهُ بالثَّمَنِ الأَوَّلِ، فهما شَرْطانِ فى بَيْعٍ نُهِىَ عَنْهُما، ولأنَّه يُنافِى مُقْتَضَى العَقْدِ، لأنَّه شَرَطَ أن لا يَبِيعَه [مِن غيرِه] (٣٠) إذا أعْطاهُ ثَمَنَهُ، فهو كما لو شَرَطَ أن لا يَبِيعَهُ إلَّا من فُلانٍ، أو أن لا يَبِيعَهُ أصْلًا، ورَوَى عنه إسماعيلُ بنُ سعيدٍ: البَيْعُ جائِزٌ؛ لما رُوِىَ عن ابن مَسْعُودٍ، أنَّه قال: ابْتَعْتُ من امْرَأَتِى زَيْنَبَ الثَّقَفِيَّةِ جارِيَةً، وشَرَطْتُ لها إن بِعْتُها، فهى لها بالثَّمَنِ الذى ابْتَعْتُها به، فذَكَرْتُ ذلك لِعُمَرَ، فقال: لا تَقْرَبْها ولأحَدٍ فيها شَرْطٌ. [قال إسْماعيلُ] (٣١): فذَكَرْتُ لأحمدَ الحَدِيثَ، فقال: البَيْعُ جَائِزٌ، و"لا تقْرَبْها"؛ لأنَّه كان فيها شَرْطٌ واحِدٌ لِلمرأةِ. ولم يَقُلْ عمرُ فى ذلك البَيْعِ: فاسِدٌ. فحمَلَ الحَدِيثَ على ظاهِرِه، وأخذَ به. وقد اتَّفَقَ عمرُ وابنُ مَسْعُودٍ على صِحَّتِه، والقِياسُ يَقْتَضِى فَسادَهُ. ويحتَمِلُ أن يُحْمَلَ كَلامُ أحْمَدَ فى رِوايَةِ المَرُّوذِيِّ على فَسادِ الشَّرْطِ، وفى رِوايَةِ إسْماعيلَ بنِ سعيدٍ على جَوازِ البَيْعِ، فيكونُ البَيْعُ صَحِيحًا، والشَّرْطُ فاسِدًا، كما لو اشْتَراها بِشَرْطِ أن لا يَبِيعَها. وقولُ أحمدَ (٣٢): "لا تَقْرَبْها". قد رُوِىَ مثلُه فى مَن اشْتَرَطَ فى الأمَةِ أن لا يَبِيعَها ولا يَهَبَها، أو شَرَطَ عليه وَلاءَها، ولا يَقْرَبُها. والبَيْعُ جائِزٌ. واحتجَّ بحَدِيثِ عمرَ: "لا تَقْرَبْها ولأَحَدٍ فيها مَثْنَوِيَّةٌ". قال القاضى: وهذا على الكَرَاهَةِ لا على التَّحْرِيمِ. قال ابنُ عَقِيلٍ: عندى أنَّه إنَّما مُنِعَ من الوَطْءِ؛ لمكان الخِلافِ فى العَقْدِ، لِكَوْنِه يَفْسُدُ بِفَسَادِ الشَّرْطِ فى بعض المَذاهِبِ. واللَّه أعلمُ.


(٢٧) فى الأصل: "البيع".
(٢٨) فى النسخ هنا وفيما يأتى: "المروزى". تحريف، وسبق فى: ١/ ٦.
(٢٩) تقدَّم تخريجه فى صفحة ١٦٦.
(٣٠) فى م: "لغيره".
(٣١) سقط من: الأصل.
(٣٢) الصحيح أن ذلك من قول عمر رضى اللَّه عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>