للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا عادٍ عليهم. ولأنَّ التَّرَخُّصَ شُرِعَ لِلْإِعَانَةِ على تَحْصِيلِ المَقْصِدِ المُبَاحِ، تَوَصُّلًا إلى المَصْلَحَةِ، فلو شُرِعَ ها هُنا لَشُرِعَ إعَانَةً على المُحَرَّمِ، تَحْصِيلًا لِلْمَفْسَدَةِ، والشَّرْعُ مُنَزَّهٌ عن هذا، والنُّصُوصُ وَرَدَتْ في حَقِّ الصَّحَابَةِ، وكانت أسْفَارُهم مُبَاحَةً، فلا يَثْبُتُ الحُكْمُ في مَن سَفَرُه مُخَالِفٌ لِسَفَرِهِم، ويَتَعَيَّن حَمْلُه على ذلك جَمْعًا بين النَّصَّيْنِ، وقِياسُ المَعْصِيَةِ على الطَّاعَةِ بَعِيدٌ، لِتَضَادِّهِما.

فصل: فإن عَدِمَ العَاصِى بِسَفَرِهِ الماءَ، فعَلَيْه أن يَتَيَمَّمَ؛ لأنَّ الصَّلَاةَ وَاجِبَةٌ لا تَسْقُطُ، والطَّهارة لها وَاجِبَةٌ أيضًا، فيكونُ ذلك عَزِيمَةً، وهل تَلْزَمُه الإِعادَةُ؟ على وَجْهَيْنِ: أحدُهما، لا تَلْزَمُه؛ لأنَّ التَّيَمُّمَ عَزِيمَةٌ، بِدَلِيلِ وُجُوبِه، والرُّخَصُ لا تَجِبُ. والثانى: عليه الإِعادةُ؛ لأنَّه حُكْمٌ يَتَعَلَّقُ بالسَّفَرِ، أشْبَهَ بَقِيَّةَ الرُّخَصِ. والأوَّلُ أوْلَى؛ لأنَّه أتَى بما أُمِرَ به من التَّيَمُّمِ والصلاةِ، فلم يَلْزَمْهُ إعادَتُها، ويُفارِقُ بَقِيَّةَ الرُّخَصِ، فإنَّه يُمْنَعُ منها، وهذا يَجِبُ فِعْلُه، ولأن حُكْمَ بَقِيَّة الرُّخَصِ المَنْعُ من فِعْلِها، ولا يُمْكِنُ تَعْدِيَةُ هذا الحُكْمِ إلى التَّيَمُّمِ، ولا إلى الصلاةِ، لِوُجُوبِ فِعْلِهِما، وَوُجُوبُ الإِعَادَةِ ليس بِحُكْمٍ في بَقِيَّةِ الرُّخَصِ، فكيف يُمْكِنُ أخْذُهُ منها أو تَعْدِيَتُه عنها. ويُبَاحُ له المَسْحُ يَوْمًا ولَيْلَةً؛ لأنَّ ذلك لا يَخْتَصُّ السَّفَرَ، فأشْبَه الاسْتِجْمارَ، والتَّيَمُّمَ (١١) وغيرَهما من رُخَصِ الحَضَرِ. وقِيلَ: لا يَجُوزُ؛ لأنَّه رُخْصَةٌ، فلم تُبَحْ له كَرُخَصِ السَّفَرِ، والأوَّلُ أوْلَى، وهذا يَنْتَقِضُ بِسائرِ رُخَصِ الحَضَرِ.

فصل: إذا كان السَّفَرُ مُبَاحًا، فغَيَّرَ نِيَّتَهُ إلى المَعْصِيَةِ، انْقَطَعَ التَّرَخُّصُ لِزَوَالِ سَبَبِه. ولو سَافَرَ لِمَعْصِيَةٍ فغَيَّرَ نِيَّتَه إلى مُباحٍ، صارَ سَفَرُه (١٢) مُبَاحًا، وأُبِيحَ له ما يُباحُ في السَّفَرِ المُبَاحِ، وتُعْتَبَرُ مسافَة القَصْرِ (١٣) من حِين غَيَّرَ النِّيَّةَ. ولو كان


(١١) في الأصل: "والسلام". وفى ا: "والتسلم".
(١٢) في أ، م: "سفرا".
(١٣) في أ، م: "السفر".

<<  <  ج: ص:  >  >>