للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحَدِيدِ، والنُّحاسِ، والرَّصاصِ، ونحوِها، دَخَلَتْ في البَيْعِ، ومُلِكَتْ بمِلْكِ الأرْضِ التى هى فيها؛ لأنَّها من أجْزائِها، فهى كتُرابِها وأحْجارِها، ولكنْ لا يُباعُ مَعْدِنُ الذَّهَبِ بِذَهَبٍ، ولا مَعْدِنُ الفِضَّةِ بِفِضَّةٍ، ويجوزُ بَيْعُها بغيرِ جِنْسِها. وإن ظَهَرَ في الأرْضِ مَعْدِنٌ لم يَعْلَمِ البائِعُ به، فله الخِيارُ؛ لأنَّه زِيَادَةٌ لم يَعْلَمْ بها، فأشْبَهَ ما لو باعَهُ ثَوْبًا على أنه عشرةٌ، فبانَ أحَدَ عَشَرَ. هذا إذا كان قد مَلَكَ الأرْضَ بإحْياءٍ أو إقْطاعٍ. وقد رُوِىَ أنَّ وَلَدَ بِلالِ بن الحارِثِ باعُوا عُمَرَ بنَ عبدِ العَزِيزِ أرْضًا، فظَهَرَ فيها مَعْدِنٌ، فقالوا: إنَّمَا بِعْنا الأرْضَ، ولم نَبعِ المَعْدِنَ. وأتَوْا عُمَرَ بنَ عبدِ العزيزِ بالكِتابِ الذى فيه قَطِيعَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَبِيهِم، فأخَذَهُ عُمَرُ فَقَبَّلَه، ورَدَّ عليهم المَعْدِنَ (٢٤). وإن كان البائِعُ مَلَكَ الأرْضَ بالبَيْعِ، احتَمَلَ أنْ لا يكونَ له خِيارٌ؛ لأنَّ الحَقَّ لغيرِه، وهو المالِكُ الأولُ. واحْتَمَلَ أنْ يكونَ له الخِيارُ، كما لو اشْتَرَى مَعِيبًا ثم باعَهُ ولم يَعْلَمْ عَيْبَهُ، فإنَّه يَسْتَحِقُّ الرَّدَّ عليه، وإن كان قد باعَهُ مثل ما اشْتراهُ. وقد رَوَى أبو طالِبٍ، عن أحمدَ، أنَّه (٢٥) إذا ظَهَرَ المَعْدِنُ في مِلْكِه مَلَكَهُ. وظاهِرُ هذا أنَّه لم يَجْعَلْه للبائِعِ، ولا جَعَلَ له خِيارًا؛ لأنَّه مِن أجْزاءِ الأرْضِ، فأشْبَهَ ما لو ظَهَرَ فيها حِجارَةٌ لها قِيمَةٌ كَبِيرَةٌ.

فصل: وإذا كان في الأرْضِ بِئْرٌ أو عَيْنٌ مُسْتَنْبَطَةٌ، فنَفْسُ البِئْرِ وأرضُ العَيْنِ مَمْلُوكَةٌ لمالِكِ الأرْضِ، والماءُ الذى فيها غيرُ مَمْلُوكٍ، لأنَّه يَجْرِى من تَحْتِ الأرْضِ إلى مِلْكِه، فأشْبَهَ الماءَ الجارِىَ في النَّهْرِ إلى مِلْكِه، وهذا أحَدُ الوَجْهَيْنِ لأصْحابِ الشَّافِعِيِّ. والوجه الآخَرُ، يَدْخُلُ في المِلْكِ؛ لأنَّه نَماءُ المِلْكِ. وقد رُوِىَ عن أحمدَ ما يَدُلُّ على أنَّه يُمْلَكُ؛ فإنَّه قال في رجُلٍ له أرْضٌ ولآخَرَ ماءٌ، فيَشْتَرِكُ صاحِبُ الأرْضِ وصاحِبُ الماءِ في الزَّرْعِ، ويكون بينهما؟ فقال: لا بأْسَ. اخْتارَهُ أبو بكرٍ. وهذا يَدُلُّ على أنَّ الماءَ مَمْلُوكٌ لِصاحِبِه، وفى مَعْنَى الماءِ، المَعادِنُ الجارِيَةُ


(٢٤) انظر ما تقدم في: ٤/ ٢٤٠، ٢٤١، وتقدم بنصه في: ٤/ ٢٤٥، ٢٤٦.
(٢٥) سقط من: الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>