للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنَّ المُؤْجِرَ إذا قَبَضَ الأجْرَ، انتفَعَ به كلِّه، بخِلَافِ المُسْتَأْجِرِ، فإنَّه لا يَحْصُلُ له اسْتِيفَاءُ المَنْفَعةِ كلِّها. قلْنا: لا يَمْتَنِعُ هذا، كما لو شَرَطَا (٥١) التَّعْجِيلَ، أو كان الثمَنُ عَيْنًا.

فصل: الحكم السادس، أنَّه إذا شَرَطَ تَأْجِيلَ الأجْرِ، فهو إلى أجَلِه، وإن شَرَطَه مُنَجَّمًا يومًا يومًا، أو شَهْرًا شَهْرًا، أو أقَلَّ من ذلك أو أكثَرَ، فهو على ما اتَّفَقَا عليه؛ لأنَّ إِجَارةَ العَيْنِ كَبَيْعِها، وبَيْعُها يَصِحُّ بثَمَنٍ حالٍّ أو مُؤَجَّلٍ، فكذلك إِجَارَتُها.

فصل: وإذا اسْتَوْفَى المُسْتَأْجِرُ المنَافِعَ، اسْتَقَرَّ الأَجْرُ؛ لأنَّه قَبَضَ المَعْقُودَ عليه، فاسْتَقَرَّ عليه البَدَلُ، كما لو قَبَضَ المَبِيعَ. وإن سُلِّمَتْ إليه العَيْنُ التي وَقَعَتِ الإِجَارَةُ عليها، ومَضَتِ المُدَّةُ، ولا حاجِزَ له عن الانْتِفاعِ، اسْتَقَرَّ الأجْرُ وإن لم يَنْتَفِعْ؛ لأنَّ المَعْقُودَ عليه تَلِفَ تحتَ يَدِه، وهى حَقُّه، فاسْتَقَرَّ عليه بَدَلُها، كثَمَنِ المَبِيعِ إذا تَلِفَ في يَدِ المُشْتَرِى. وإن كانت الإِجَارَةُ على عَمَلٍ، فتَسَلَّمَ المَعْقُودَ عليه، ومَضَتْ مدَّةٌ يُمْكِنُ اسْتِيفاءُ المَنْفَعةِ فيها، مثل أن يَكْتَرِىَ دَابّةً لِيَرْكَبَها إلى حِمْصَ، فقبَضَها، ومَضَتْ مُدّةٌ يُمْكِنُ رُكُوبُها فيها، فقال أصْحَابُنا: يَسْتَقِرُّ عليه الأجْرُ. وهو مذهبُ الشّافِعِىِّ؛ لأنَّ المَنافِعَ تَلِفَتْ تحتَ يَدِه بِاخْتِيارِه، فاسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عليه، كما لو تَلِفَتِ العَيْنُ في يَدِ المُشْتَرِى، وكما لو كانت الإِجَارَةُ على مُدَّةٍ فمَضَتْ. وقال أبو حنيفةَ: لا يَسْتَقِرُّ الأجْرُ عليه حتى يَسْتَوْفِىَ المَنْفَعةَ؛ لأنَّه عَقْدٌ على مَنْفَعةٍ غير مُؤَقَّتَةٍ بزَمَنٍ، فلم يَسْتَقِرّ بَدَلُها (٥٢) قبلَ اسْتِيفَائِها، كالأجْرِ للأجِيرِ (٥٣) المُشْتَركِ. فإن بَذَلَ تَسْلِيمَ العَيْنِ، فلم يَأْخُذْها المُسْتَأْجِرُ حتى انْقَضَتِ المُدّةُ. اسْتَقَرَّ الأجْرُ عليه؛ لأنَّ المنَافِعَ تَلِفَتْ بِاخْتِيارِه في مُدَّةِ الإِجَارَةِ، فاسْتَقَرَّ عليه الأجْرُ، كما لو كانت في يَدِه. وإن بَذَلَ تَسْلِيمَ العَيْنِ، وكانت الإِجَارَةُ على عَمَلٍ، فقال أصْحَابُنا: إذا مَضَتْ مُدَّةٌ يُمْكِنُ


(٥١) في الأصل: "شرط".
(٥٢) في الأصل زيادة: "كما لو".
(٥٣) في الأصل: "في الأجير".

<<  <  ج: ص:  >  >>