للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (٤٣). أي إذا أَرَدْتَ القِرَاءةَ. ولأنَّ هذا تَمَسُّكٌ بِدَلِيلِ الخِطَابِ، ولا يَقُولُون بِه، وكذلك الحَدِيثُ، يُحقِّقُه أنَّ الأمْرَ بالإِيتَاءِ في وَقْتٍ لا يَمْنَعُ وُجُوبَه قبله، كقَوْلِه: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} (٤٤). والصَّدَاقُ يَجِبُ قبل الاسْتِمْتاعِ، وهذا هو الجَوَابُ عن الحَدِيثِ، ويَدُلُّ عليه أنَّه إنَّما تَوَعَّدَ على تَرْكِ الإِيفَاءِ [بعدَ الفَرَاغِ من العَمَلِ، وقد قُلْتُم: يَجِبُ الأَجْرُ شَيْئًا فشَيْئًا. ويَحْتَمِلُ أنَّه تَوَعَّدَه على تَرْكِ الإِيفاءِ] (٤٥) في الوَقْتِ الذي تَتَوَجَّهُ المُطَالَبةُ فيه عادَةً. جَوَابٌ آخَرُ، أنَّ الآيةَ والأخْبارَ إنَّما وَرَدَتْ في مَن اسْتُؤْجِرَ على عَمَلٍ، فأمَّا ما وَقَعَتِ الإِجَارَةُ فيه على مُدَّةٍ، فلا تَعَرُّضَ (٤٦) لها به، وأمَّا إذا كانت الإِجارَةُ على عَمَلٍ، فإنَّ الأَجْرَ يُمْلَكُ بالعَقْدِ أيضًا، لكنْ لا يُسْتَحَقُّ تَسْلِيمُه إلَّا عند تَسْلِيمِ العَمَلِ. قال ابنُ أبي موسى: مَن اسْتُؤْجِرَ لِعَمَلٍ مَعْلُومٍ، اسْتَحَقَّ الأجْرَ عند إِيفَاءِ العَمَلِ، وإن اسْتُؤْجِرَ في كل يومٍ بأَجْرٍ مَعْلُومٍ، فله أجْرُ كلِّ يومٍ عندَ تَمَامِه. وقال أبو الخَطَّابِ: الأجْرُ يُمْلَكُ بالعَقْدِ، ويُسْتَحَقُّ بالتَّسْلِيمِ، ويَسْتَقِرُّ بمُضِىِّ المُدَّةِ، وإنَّما تَوَتَّفَ اسْتِحْقاقُ تَسْلِيمِه على العَمَلِ؛ لأنَّه عِوَضٌ، فلا يُسْتَحَقُّ تَسْلِيمُه إلَّا مع تَسْلِيمِ المُعَوَّضِ، كالصَّدَاقِ والثمَنِ في المَبِيعِ، وفارَقَ الإِجَارَةَ على الأعْيانِ؛ لأنَّ تَسْلِيمَها جَرَى (٤٧) مَجْرَى تَسْلِيمِ نَفْعِها، ومتى كان (٤٨) على مَنْفَعةٍ في الذِّمَّةِ، لم يَحْصُلْ تَسْلِيمُ المَنْفَعةِ، ولا ما يقُومُ مَقامَها (٤٩)، فَتَوقَّفَ (٥٠) اسْتِحْقاقُ تَسْلِيمِ الأجْرِ على تَسْلِيمِ العَمَلِ. وقولُهم: لم يَمْلِك المنَافِعَ. قد سَبَقَ الجَوَابُ عنه. فإن قِيلَ:


(٤٣) سورة النحل ٩٨.
(٤٤) سورة النساء ٢٤.
(٤٥) سقط من: ب. نقل نظر.
(٤٦) في الأصل: "يتعرض".
(٤٧) في الأصل: "أجرى".
(٤٨) في الأصل: "كانت".
(٤٩) سقط من: م.
(٥٠) في الأصل: "فيتوقف".

<<  <  ج: ص:  >  >>