للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال بعضُهم: إن كان فى شَارِعٍ تَمُرُّ فيه الجُيُوشُ والأحْمَالُ، فيكونُ بحيثُ إذا سَارَ فيه الفَارِسُ وَرُمْحُه مَنْصُوبٌ لا يَبْلُغُه. وقال أكْثَرُهُم: لا يُقَدَّرُ بذلك، بل يكونُ بحيثُ لا يَضُرُّ بالْعَمَّارِيَّاتِ (٧٨) والمَحَامِلِ. ولَنا، أنَّه بِنَاءٌ فى مِلْكِ غيره بغيرِ إِذْنِه، فلم يَجُزْ، كبِنَاءِ الدَّكَّةِ أو بِنَاءِ ذلك فى دَرْبٍ غيرِ نَافِذٍ بغير إِذْنِ أهْلِه، ويُفَارِقُ المُرُورَ فى الطَّرِيقِ، فإنَّها جُعِلَتْ لذلك، ولا مَضَرَّةَ فيه، والجُلُوسُ لا يَدُومُ، ولا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ منه، ولا نُسَلِّمُ أنَّه لا مَضَرَّةَ فيه، فإنَّه يُظْلِمُ الطَّرِيقَ، ويَسُدُّ الضَّوْءَ، وربَّما سَقَطَ على المارَّةِ، أو سَقَطَ منه شىءٌ، وقد تَعْلُو الأرْضُ بمُرُورِ الزَّمَانِ، فيَصْدِمُ رُءُوسَ النّاسِ، ويَمْنَعُ مُرُورَ الدَّوَابِّ بالأحْمَالِ، ويَقْطَعُ الطَّرِيقَ إلَّا على الماشِى، وقد رَأيْنَا مثل هذا كثيرا، وما يُفْضِى إلى الضَّرَرِ فى ثانى الحالِ، يَجِبُ المَنْعُ منه فى ابْتِدَائِه، كما لو أرَادَ بِنَاءَ حَائِطٍ مائِلٍ إلى الطَّرِيقِ يُخْشَى وُقُوعُه على من يَمُرُّ فيها. وعلى أبى حنيفةَ: أنَّه بِنَاءٌ فى حَقٍّ مُشْتَرَكٍ، لو مَنَعَ منه بعضُ أهْلِه لم يَجُزْ، فلم يَجُزْ بغير إذْنِهِم، كما لو أخْرَجَهُ إلى هَوَاءِ دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ، وذلك لأنَّ حَقَّ الآدَمِىِّ لا يجوزُ لغيرِه التَّصَرُّفُ فيه بغيرِ إِذْنِه، وإن كان سَاكِنًا، كما لا يجوزُ إذا مَنَعَ منه.

فصل: ولا يجوزُ أن يَبْنِىَ فى الطَّرِيقِ دُكَّانًا، بغير خِلَافٍ نَعْلَمُه، سواءٌ كان الطَّرِيقُ وَاسِعًا أو غيرَ وَاسِعٍ، سواءٌ أذِنَ الإِمَامُ فيه أو لم يَأْذَنْ؛ لأنَّه بِنَاءٌ فى مِلْكِ غيرِه بغيرِ إذْنِه، ولأنَّه يُؤْذِى المارَّةَ ويُضَيِّقُ عليهم، ويَعْثُرُ به العاثِرُ، فلم يَجُزْ، كما لو كان الطَّرِيقُ ضَيِّقًا.

فصل: ولا يجوزُ أن يَبْنِىَ دُكَّانًا ولا يُخْرِجَ رَوْشَنًا، ولا سَابَاطًا على دَرْبٍ غيرِ نافِذٍ، إلَّا بإِذْنِ أهْلِه. وبهذا قال الشَّافِعِىُّ، إذا لم يكُنْ له فى الدَّرْبِ بَابٌ، وإن كان له فى الدَّرْبِ بَابٌ، فقد اخْتَلَفَ أصْحَابُه (٧٩)، فمنهم من مَنَعَهُ أيضا، ومنهم مَن أجَازَ له إخْرَاجَ الجَنَاحِ والسَّابَاطِ؛ لأنَّ له فى الدَّرْبِ اسْتِطْرَاقا، فمَلَكَ ذلك، كما يَمْلِكُهُ فى الدَّرْبِ


(٧٨) العمارية: هودج يحمل على الدابة. انظر معجم عز وجلozy.
(٧٩) فى الأصل: "أصحابنا".

<<  <  ج: ص:  >  >>