للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به، والأمرُ بالشىءِ يقْتَضِى حُصُولَ الإِجْزاءِ به. ولا يَفْتَقِرُ الغَسْلُ إلى تَسْمِيَةٍ. وقال أبوُ الخَطَّاب: يَفْتَقِرُ إليها قِيَاسًا على الوُضُوءِ. وهذا بَعِيدٌ؛ فإنَّ التَّسْمِيةَ في الوُضُوءِ غَيْرُ واجبةٍ في الصَّحِيحِ، ومَنْ أَوْجَبَها [فإنَّما أوْجَبَها] (٥٦) تَعَبُّدًا، فيَجِبُ قَصْرُها على مَحَلِّها؛ فإن التَّعَبُّدَ به فرعُ التَّعْلِيلِ، ومِنْ شَرْطِه كَوْنُ المَعْنَى مَعْقُولًا، ولا يُمْكِنُ إلْحاقُه به لِعَدَمِ الفَرْقِ، فإنَّ الوُضُوءَ آكَدُ، وهو في أرْبَعةِ أعضاء، وسَبَبُه غيرُ سَبَبِ غَسْلِ اليَدِ.

فصل: ولو انْغَمَسَ الجُنُبُ في ماءٍ كثيرٍ، أو تَوَضَّأَ في ماءٍ كَثِيرٍ، يَغْمِسُ فيه أَعْضاءَهُ، ولم يَنْوِ غَسْلَ اليَدَيْنِ من نومِ اللَّيْلِ، صَحَّ غُسْلُه ووُضُوؤُهُ، ولم يُجْزِهِ عن غَسْلِ اليَدِ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ عِنْدَ مَنْ أَوْجَبَ النِّيَّةَ في غَسْلِها؛ لأنَّ بَقاءَ النَّجاسةِ علَى العُضْوِ لا يَمْنَعُ رَفْعَ الحَدَثِ، فلو غَسَلَ أنْفَهُ أو يَدَه في الوُضُوءِ، وهو نَجِسٌ، لارْتَفَعَ حَدَثُه، وبَقَاءُ الحَدَثِ عَلَى الوُضُوءِ لا يَمْنَعُ رَفْعَ حَدَثٍ آخَرَ؛ بِدَلِيلِ ما لَوْ تَوَضَّأَ الجُنُبُ يَنْوِى رَفْعَ الحَدَثِ الأَصْغَرِ، أو اغْتَسَلَ ولم يَنْوِ الطَّهارةَ الصُغْرَى، صَحَّتِ المَنْويَّةُ دون غيْرِها، وهذا لا يخرُج عن شَبَهِه بأحدِ الأمْرَيْن.

فصل: إذا وَجَدَ ماءً قَلِيلًا لَيْسَ مَعَهُ ما يَغْتَرِفُ به ويَدَاهُ نَجِسَتان، فقال أحمد: لا بَأْسَ أنْ يَأْخُذَ بِفِيهِ ويَصُبَّ عَلَى يَدِهِ. وهكذا لو أمكنَهُ غَمْسُ خِرْقَةٍ أو غَيْرِها وصَبُّهُ على يَدَيْهِ (٥٧) فعلَ ذلك. فإنْ لم يُمْكِنْهُ شيءٌ من ذلك تَيَمَّمَ وتَرَكَه؛ لئَلَّا يَنْجُسَ الماءُ ويَتَنَجَّسَ به. وإن (٥٨) كان لم يَغْسِلْ يَدَيْه من نَوْمِ اللَّيْلِ تَوَضَّأَ منه، عِنْدَ مَنْ يَجْعَلُ الماءَ باقِيًا على إطْلاقِهِ. ومن جَعَلَهُ مُسْتَعْمَلًا، قال: يَتَوَضأُ به ويَتَيَمَّمُ مَعَه. ولو اسْتَيْقَظَ المَحْبُوسُ من نَوْمِهِ فلم يَدْرِ؛ أهُوَ مِن نَوْمِ النهارِ أو اللَّيْلِ؟ لم يَلْزَمْهُ غَسْلُ يَدَيْهِ؛ لأن الأَصْلَ عَدَمُ الوُجُوبِ، فلا نُوجِبُه بالشَّكِّ.


(٥٦) سقط من الأصل.
(٥٧) في م: "يده".
(٥٨) في م: "فإن".

<<  <  ج: ص:  >  >>