للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المفهومَ من هذا إجَابَتُه إلى ما سأَلَ. وإِنْ قال الإِمامُ: لم أُرِدْ إجابَتَه، لم يُجْبَرْ على تَرْكِ أسيرِه، ورُدَّ إلى مَأْمَنِه. وقال أصحابُ الشافِعِىِّ: يُطْلَقُ الأسيرُ، ولا تُطْلَقُ المُشْركَةُ؛ لأنَّ المسلمَ حُرٌّ لا يجوزُ أَنْ يكونَ [ثَمَنَ مَمْلوَكَةٍ] (١٩)، ويُقال له: إن اخْتَرْتَ شراءَها، فأْتِ بِثَمَنِها. ولَنا، أنَّ هذا يُفْهَمُ منه الشَّرْطُ، فيَجِبُ الوفاءُ به، كما لو صَرَّحَ به، ولأنَّ الكافِرَ فَهِمَ منه ذلك، وبَنَى عليه، فأشْبَهَ ما لو فَهِمَ الأمانَ من الإِشارَةِ. وقولُهم: إنَّ الحُرَّ لا يكونُ ثمنَ مَمْلوكَةٍ. قُلْنا: لكنْ يصِحُّ أَنْ يُفادَى بها، فقد فادَى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالأَسِيرَةِ التى أخَذَها من سَلَمَةَ بن الأَكْوَعِ رَجُلَيْن (٢٠) من المسلمين (٢١)، وفادَى رَجُلَيْن (٢٠) من المسلمين بأَسِيرٍ من الكُفَّارِ (٢١)، ووَفَّى لهم بِرَدِّ مَنْ جاءَه مسلمًا، وقال: "إنَّه لَا يَصْلُحُ فِى دِينِنَا الْغَدْرُ" (٢٢). وإِنْ كان رَدُّ المسلمِ (٢٣) إليهم ليس بحَقٍّ لهم، ولأنَّه الْتَزَمَ إطْلاقَها: فلَزِمَه ذلك؛ لقولِه عليه السلام: "المُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ" (٢٤). وقوله: "إنَّه لَا يَصْلُحُ فِى دِينِنَا الْغَدْرُ".

١٦٨٥ - مسألة؛ قال: (ومَنْ سَرَقَ مِنَ الْغنِيمَةِ مِمَّنْ لَهُ فِيهَا حَقٌّ، أَوْ لِوَلَدِه، أوْ لسَيِّدهِ، لَمْ يُقْطَعْ)

يعنى إذا كان السَّارِقُ بعضَ الغانِمين، أو أباه، أو سَيِّدَه، فلا قَطْعَ عليه؛ لأنَّ له شُبْهَةً، وهو حَقُّه المُتَعَلِّقُ بها، فيكونُ ذلك مانِعًا مِن قَطْعِه، لأَنَّ الحُدودَ تُدْرَأُ بالشُّبُهاتِ، فأشْبَهَ ما لو سَرَقَ من مالٍ مُشْتَرَكٍ بينَه وبَيْنَ غيرِه. وهكذا إنْ كان لابْنِه وإِنْ عَلَا. وهو قولُ أبى حَنيفَةَ، والشافِعِىِّ. وزادَ أبو حنيفةَ: إذا كان لِذِى رَحِمٍ مَحْرَمٍ منه فيها حَقٌّ لم يُقْطَعْ. مَبْنِىُّ على أنَّه لا يُقْطعُ بسرقَةِ مالِهم. وقد سبَقَ الكلامُ فى هذا (١). ولو كان


(١٩) فى ب: "ثمنا لمملوكة".
(٢٠) فى ب، م: "برجلين".
(٢١) تقدم تخريجه، فى صفحة ٤٨.
(٢٢) تقدم تخريجه، فى ١٦١، ١٦٢.
(٢٣) فى م: "مسلم".
(٢٤) تقدم تخريجه، فى: ٦/ ٣٠. وفى صفحة ١٥٢.
(١) تقدم فى: ١٢/ ٤٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>