للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥٣٥ - مسألة؛ قال: (والمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُها وَهِىَ مُعْتَكِفَة تَخْرُجُ لِقَضَاءِ العِدَّةِ، وتَفْعَلُ كَمَا فَعَلَ الَّذِى خرَجَ لِفِتْنَةٍ)

وجُمْلَتُه أنَّ المُعْتَكِفَةَ إذا تُوُفِّىَ زَوْجُها لَزِمَها الخُرُوجُ لِقَضاءِ العِدَّةِ، وبهذا قال الشَّافِعِىُّ. وقال رَبِيعَةُ، ومَالِكٌ، وابنُ المُنْذِرِ: تَمْضِى فى اعْتِكافِها، حتى تَفْرُغَ منه، ثم تَرْجِعُ إلى بَيْتِ زَوْجِها فتَعْتَدُّ فيه؛ لأنَّ الاعْتِكَافَ المَنْذُورَ وَاجِبٌ، والاعْتِدادُ فى البَيْتِ وَاجِبٌ، فقد تَعارَضَ وَاجِبانِ فيُقَدَّمُ أسْبَقُهما. ولَنا، أنَّ الاعْتِدَادَ فى بَيْتِ زَوْجِها وَاجِبٌ، فلَزِمَها الخُرُوجُ إليه، كالجمعةِ فى حَقِّ الرَّجُلِ. ودَلِيلُهم يَنْتَقِضُ بِالخُرُوجِ إلى الجمعةِ وسائِرِ الوَاجِبَاتِ، وظَاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ أنَّها كالذى خَرَجَ لِفِتْنَةٍ، وأنَّها تَبْنِى وتَقْضِى وتُكَفِّرُ. وقال القَاضِى: لا كَفَّارَةَ عليها؛ لأنَّ خُرُوجَها وَاجِبٌ. وقد مَضَى القَوْلُ فيه (١).

فصل: وليس لِلزَّوْجَةِ أنْ تَعْتَكِفَ إلَّا بإِذْنِ زَوْجِها، ولا لِلْمَمْلُوكِ أن يَعْتَكِفَ إلَّا بإذْنِ سَيِّدِه؛ لأنَّ مَنَافِعَهما مَمْلُوكَةٌ لِغَيْرِهما، والاعْتِكافُ يُفَوِّتُها، ويَمْنَعُ اسْتِيفَاءَها، وليس بِواجِبٍ عليهما بِالشَّرْعِ، فكان لهما المَنْعُ منه. وأُمُّ الوَلَدِ والمُدَبَّرُ كَالقِنِّ فى هذا؛ لأن المِلْكَ بَاقٍ فيهما، فإن أذِنَ السَّيِّدُ والزَّوْجُ لهما، ثم أرَادَ إخْراجَهما منه بعد شُرُوعِهِما فيه، فلهما ذلك فى التَّطَوُّعِ. وبه قال الشَّافِعِىُّ. وقال أبو حنيفةَ فى العَبْدِ كقَوْلِنا، وفى الزَّوْجَةِ: ليس لِزَوْجِها إخْرَاجُها؛ لأنَّها تَمْلِكُ بالتَّمْلِيكِ، فالإذْنُ أسْقَطَ حَقَّه من مَنافِعِها، وأَذِنَ لها فى اسْتِيفَائِها، فلم يكنْ له الرُّجُوعُ فيها، كما لو أَذِنَ لها فى الحَجِّ فأحْرَمَتْ به، بِخِلافِ العَبْدِ؛ فإنَّه لا يَمْلِكُ بالتَّمْلِيكِ. وقال مالِكٌ: ليس له تَحْلِيلُهما؛ لأنَّهما عَقَدَا على أَنْفُسِهِما تَمْلِيكَ مَنافِعَ كانا يَمْلِكانها لِحَقِّ اللَّه تعالى، فلم يَجُز الرُّجُوعُ


(١) تقدم فى صفحة ٤٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>