للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك. ولأنَّ ما يُعتبَرُ له القَول يُكْتَفَى فيه به، مِن غيرِ نِيَّةٍ، إذا كان (١) صريحًا فيه، كالبيعِ. وسواء قَصَدَ المَزْحَ أو الجِدَّ؛ لقولِ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ؛ النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالرَّجْعَةُ". روَاه أبو داودَ، والتِّرمِذِىُّ (٢)، وقال: حديثٌ حَسَنٌ. قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ كُلُّ (٣) مَن أحفظُ عنه من أهلِ العلمِ، على أنَّ جِدَّ الطَّلاقِ وهَزْلَه سواءٌ. رُوِىَ هذا عن عمرَ بنِ الخطَّابِ، وابنِ مسعودٍ. ونحوُه عن عَطاءٍ، وعَبِيدَةَ (٤). وبه قال الشَّافعىُّ، وأبو عُبَيدٍ. قال أبو عُبَيْدٍ: وهو قولُ سفيانَ، وأهلِ العراقِ. فأَمَّا لفظُ الفِرَاقِ والسَّراحِ، فيَنْبَنِى على الخلافِ فيه؛ فَمَنْ جعله صَريحًا أوقعَ به الطَّلاقَ مِن غيرِ نِيَّةٍ، ومَن لم يَجْعلْه صريحًا لم يُوقِعْ به الطَّلاقَ حتى يَنْوِيَه، ويَكونُ بمنزلةِ الكناياتِ الخَفِيَّةِ.

فصل: فإن قال الأعْجَمِىُّ لامرأتِه: أنتِ طالقٌ، ولا يَفْهَمُ معناه، لم تَطْلُقْ؛ لأنَّه ليس بمُخْتارٍ للطَّلاقِ، فلم يَقَعْ طلاقُه، كالمُكْرَهِ. فإن نَوَى مُوجِبَه عندَ أهلِ العربيَّةِ، لم يَقعْ أيضًا؛ لأنَّه لا يَصحُّ منه اخْتيارُ ما لا يَعلمُه، ولذلك لو نطقَ بكلمةِ الكُفْرِ مَنْ لا يَعلمُ معناها لم يَكْفُرْ. ويَحْتمِلُ أن تَطْلُقَ إذا نَوَى مُوجِبَها؛ لأنَّه لَفَظَ بالطَّلاقِ ناويًا مُوجِبَه، فأشْبَهَ العربِىَّ. وكذلك الحُكمُ إذا قال العربِىُّ: بهشتم. وهو لا يَعلمُ معناها.

فصل: فإن قال لزوجتِه وأجْنبِيَّةٍ: إحداكما طالقٌ. أو قال لحَماتِه: ابنتُك طالقٌ. ولها بنتٌ سِوَى امرأتِه. أو كان اسمُ زوجتِه زينبُ، فقال: زينبُ طالقٌ. طَلُقَتْ زوجتُه؛ لأنَّه لا يَمْلِكُ طلاقَ غيرِها. فإن قال: أرَدْتُ الأجْنبِيَّةَ. لم يُصَدَّقْ. نَصَّ عليه


(١) فى ب، م: "كانت".
(٢) أخرجه أبو داود فى: باب فى الطلاق على الهزل، من كتاب النكاح. سنن أبى داود ١/ ٥٠٧. والترمذى، فى: ياب ما جاء فى الجد والهزل فى الطلاق، من كتاب الطلاق. عارضة الأحوذى ٥/ ١٥٦، ١٥٧.
كما أخرجه ابن ماجه، فى: باب من طلق أو نكح أو راجع لاعبا، من كتاب الطلاق. سنن ابن ماجه ١/ ٦٥٨.
(٣) سقط من: أ، ب، م.
(٤) أى: السلمانى. وتقدم فى: ١/ ٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>