للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عمرَ وعثمانَ إعطاءَ المُؤَلَّفةِ، ولعلَّهم لم يَحْتاجُوا إلى إعطائِهم، فتَرَكُوا ذلك لعَدَمِ الحاجةِ إليه، لا لِسُقُوطِه.

فصل: والمُؤَلّفةُ قُلُوبُهُم ضَرْبانِ؛ كُفّارٌ ومُسْلِمونَ، وهم جميعًا السَّادةُ المُطَاعُونَ فى قَوْمِهِم وعَشائِرِهم. فالكُفارُ ضَرْبانِ؛ أحدهما، مَنْ يُرْجَى إسْلامُه، فيُعْطَى لِتَقْوَى نِيَّتُه فى الإِسْلامِ، وتَمِيلَ نَفْسُه إليه، فيُسْلِمَ؛ فإنَّ النبىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يومَ فَتْحِ مَكَّةَ، أعْطى صَفوانَ بنَ أُمَيّةَ الأمانَ، واسْتَنْظَرَه صَفْوانُ أرْبعةَ أشْهُرٍ ليَنْظُرَ فى أمْرِه، وخَرَجَ معه إلى حُنَيْنٍ، فلما أعْطى النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- العَطَايَا قال صفوانُ: مالِى؟ فأوْمأَ النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى وادٍ فيه إبلٌ مُحَمَّلةٌ، فقال: "هذَا لَكَ". فقال صَفْوانُ (٧): هذا عَطاءُ مَنْ لا يَخْشَى الفَقْرَ (٨). والضربُ الثانى، مَنْ يُخْشَى شَرُّه، ويُرْجَى بعَطِيَّتِه كَفُّ شَرِّه وكَفُّ غيرِه معه. ورُوِىَ عن ابنِ عباسٍ أَنَّ قومًا كانوا يَأْتُونَ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإنْ أعْطاهُم مَدَحُوا الإِسلامَ، وقالوا: هذا دِينٌ حَسَنٌ. وإن مَنَعَهُم ذَمُّوا وعابُوا (٩). وأمَّا المسلمونَ فأَرْبَعةُ أضْرُبٍ؛ قومٌ من ساداتِ المُسْلِمينَ لهم نُظَرَاءُ من الكُفَّارِ، ومن المُسلمينَ الذين لهم نِيَّةٌ حَسَنةٌ فى الإِسلامِ، فإذا أُعْطُوا رُجِىَ إسلامُ نُظَرَائِهِم وحُسْنُ نِيَّاتِهِم، فيجوزُ إعطاؤُهم؛ لأنَّ أبا بكرٍ رَضِىَ اللَّهُ عنه، أعْطى عَدِىَّ بن حاتمٍ، والزِّبْرِقانَ بن بَدْرٍ، مع حُسْنِ نِيَّاتِهِما وإسْلامِهِما. الضرب الثانى، ساداتٌ مُطاعُونَ فى قَوْمِهِمْ يُرْجَى بعَطِيَّتِهِم قُوّةُ إيمانِهِم، ومُنَاصَحَتُهم فى الجِهادِ، فإنهم يُعْطَوْنَ؛ لأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أعْطى عُيَيْنةَ بن حِصْنٍ، والأقْرَعَ بن حَابسٍ، وعَلْقَمةَ بن عُلاثَةَ، والطُّلَقاءَ من أهلِ مَكّةَ، وقال للأنْصارِ: "يا مَعْشَرَ الأنْصَارِ عَلَامَ تَأْسَوْنَ؟ عَلَى لُعَاعةٍ (١٠) مِنَ الدُّنْيا تأَلَّفْتُ بِهَا قَوْمًا


(٧) فى م زيادة: "إن".
(٨) أخرجه مسلم، فى: باب ما سئل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- شيئا قط، فقال: لا. وكثرة عطائه، من كتاب الفضائل. صحيح مسلم ٤/ ١٨٠٦.
(٩) انظر إرواء الغليل ٣/ ٣٦٩.
(١٠) اللعاعة: الخصب والدنيا.

<<  <  ج: ص:  >  >>