للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشّافِعِىِّ. وإن امْتَنَعَ الأولُ من المُطَالَبةِ حتى يَحْضُرَ صاحِبَاه، أو قال: آخُذُ قَدْرَ حَقِّى. ففيه وَجْهانِ؛ أحدُهما، يَبْطُلُ حَقُّه؛ لأنَّه قَدَرَ على أخْذِ الكُلِّ وتَرَكَه، فأشْبَه المُنْفَرِدَ. والثانى، لا يَبْطُلُ؛ لأنَّه تَرَكَه لِعُذْرٍ، وهو خَوْفُ قُدُومِ الغائِبِ، فيَنْتَزِعُه منه، والتَّرْكُ لِعُذْرٍ لا يُسْقِطُ الشُّفْعةَ، بِدَلِيلِ ما لو أظْهَرَ المُشْتَرِى ثَمَنًا كَثِيرًا، فتَرَكَ لذلك، ثم بان خِلافُه (٤). فإن تَرَكَ الأولُ شُفْعَتَه [تَوَفَّرَتِ الشُّفْعَةُ] (٥) على صَاحِبَيْه، فإذا قَدِمَ الأولُ منهما، فله أخْذُ الجميعِ، على ما ذَكَرْنا في الأولِ. فإن أخَذَ الأَولُ بها، ثم رَدَّ ما أخَذَه بِعَيْبٍ، فكذلك. وبهذا قال الشّافِعِىُّ. وحُكِى عن محمدِ بن الحَسَنِ أنَّها لا تَتَوَفَّرُ عليهما، وليس لهما أخْذُ نَصِيبِ الأَولِ؛ لأنَّه لم يَعْفُ، وإنَّما رَدَّ نَصِيبَه لأجْلِ العَيْبِ، فأشْبَه ما لو رَجَعَ إلى المُشْتَرِى بِبَيْعٍ أو هِبَةٍ. ولَنا، أنَّ الشَّفِيعَ فَسَخَ مِلْكَه، ورَجَعَ إلى المُشْتَرِى بالسَّبَبِ الأَولِ، فكان لِشَرِيكِه أخذُه، كما لو عَفَا. ويُفَارِقُ عَوْدَه بِسَبَبٍ آخَرَ؛ لأنَّه عادَ غيرَ المِلْكِ الأَوَّلِ الذي تَعَلَّقَتْ به الشُّفْعةُ.

فصل: وإذا حَضَرَ الثاني بعدَ أخْذِ الأَوَّلِ، فأخَذَ نِصْفَ الشِّقْصِ منه، واقْتَسَما، ثم قَدِمَ الثالثُ، فطَالبَ بالشُّفْعةِ، وأخَذَ بها، بَطَلَتِ القِسْمَةُ؛ لأنَّ هذا الثالثَ إذا أخَذَ بالشُّفْعةِ، كان كأنَّه مُشارِكٌ في حال القِسْمَةِ، لِثُبُوتِ حَقِّه، ولهذا لو باعَ المُشْتَرِى، ثم قَدِمَ الشَّفِيعُ، كان له إبْطالُ البَيْعِ. فإن قِيل: فكيف تَصِحُّ القِسْمةُ، وشَرِيكُهُما الثالثُ غائِبٌ؟ قُلْنا: يَحْتَمِلُ أن يكونَ وَكَّلَ في القِسْمةِ قبلَ البَيْعِ، أو قبلَ علمه به (٦)، أو يكونَ الشَّرِيكانِ رَفَعَا ذلك إلى الحاكِمِ، وطَالَباه بالقِسْمةِ عن الغائِبِ، فَقَاسَمَهُما، وبَقِىَ الغائبُ على شُفْعَتِه. فإن قِيل: فكيف تَصِحُّ مُقَاسَمَتُهُما للشِّقْصِ، وحَقُّ الثالثِ ثابِتٌ فيه؟ قلنا: ثُبُوتُ حَقِّ (٧) الشُّفْعةِ لا يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ، بِدَلِيلِ أنَّه يَصِحُّ بَيْعُه وهِبَتُه


(٤) في م: "بخلافه".
(٥) سقط من: م.
(٦) سقط من: م.
(٧) سقط من: ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>