للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو يَرُدَّ على أحَدِهِما، ويُجِيزَ للآخَرِ وَصِيَّتَه كلَّها أو بعضَها، أو يُجِيزَ لأحَدِهِما جَمِيعَ وَصِيَّتهِ، وللآخَرِ بعضَها، فكلُّ ذلك جائِزٌ؛ لأنَّ الحَقَّ له، فكيفما شاءَ فَعَلَ فيه.

٩٥٦ - مسألة؛ قال: (وَمَنْ أَوْصَى لِغَيْرِ وَارِثٍ بأكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ، فَأجَازَ ذلِكَ الْوَرَثَةُ بَعْدَ مَوْتِ المُوصِى، جازَ، وإنْ لم يُجِيزُوا، رُدَّ إلَى الثُّلُثِ)

وجملةُ ذلك أن الوَصِيّةَ لغيرِ الوارِثِ تَلْزَمُ في الثُّلُثِ من غير إجَازَةٍ، وما زادَ على الثُّلُثِ يَقِفُ على إجَازَتِهِم، فإن أجازُوه جازَ، وإن رَدُّوه بَطَلَ. في قولِ جَمِيعِ العُلَماءِ. والأصْلُ في ذلك قولُ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لِسَعْدٍ حينَ قال: أُوصِى بمالِى كلِّه؟ قال: "لَا". قال: فبالثُّلُثَيْنِ؟ قال: "لَا". قال: فبالنِّصْفِ؟ قال: "لَا". قال: فبالثُّلُثِ؟ قال: "الثُّلُثُ، والثُّلُثُ كَثِيرٌ" (١). وقولُه عليه السّلَامُ: "إنَّ اللهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أمْوالِكُمْ عِنْدَ مَمَاتِكُمْ" (٢). يَدُلُّ على أنَّه لا شىءَ له في الزَّائِدِ عليه. وحَدِيثُ عِمْرانَ بن حُصَيْنٍ في المَمْلُوكِين الذين أعْتَقَهُم المَرِيضُ، ولم يكُنْ له مالٌ سِوَاهُم، فدَعَا بهم النبىّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فجَزَّأَهُم ثَلَاثةَ أجْزاءٍ، وأقْرَعَ بينهم، فأعْتَقَ اثْنَيْنِ، وأرَقَّ أرْبَعةً، وقال له قولًا شَدِيدًا (٣)، يَدُلُّ أيضًا على أنَّه لا يَصِحُّ تَصَرُّفُه فيما عدا الثُّلُثَ، إذا لم يُجِز الوَرَثَةُ، ويَجُوزُ بإجَازَتِهِم؛ لأنَّ الحَقَّ لهم. والقولُ في بُطْلانِ الوَصِيَّةِ بالزّائِدِ عن الثُّلُثِ (٤)، كالقولِ في الوَصِيَّةِ لِلوارِثِ، على ما ذَكَرْنا. وهل إجَازَتُهُم تَنْفِيذٌ أو عَطِيَّةٌ مُبْتَدَأةٌ؟ فيه اخْتِلَافٌ ذَكَرْناه في الوَصِيَّةِ للوَارِثِ. والخِلَافُ فيه مَبْنِىٌّ على أنَّ الوَصِيَّةَ به، أو العَطِيّةَ له (٥)، في مَرَضِ المَوْتِ الْمَخُوفِ، صَحِيحَةٌ مَوْقُوفَةٌ على الإِجَازَةِ، أو باطِلَةٌ؟ فظاهِرُ المَذْهَبِ أنَّها صَحِيحَةٌ، وأنَّ الإِجَازَةَ تَنْفِيذٌ مُجَرَّدٌ،


(١) تقدم تخريجه في: ٦/ ٣٧.
(٢) تقدم تخريجه في صفحة ٣٩٢.
(٣) تقدم تخريجه في صفحة ٣٩٥.
(٤) في ازيادة: "وصحتها".
(٥) سقط من: م.

<<  <  ج: ص:  >  >>