عَيْبًا بكُلِّ حالٍ؛ لأنَّه لَزِمَها حُكْمُ الزِّنَى فى يَدِ المُشْتَرِى.
الفصلُ الخامس؛ أنّه إذا اختارَ المُشْترِى إمساكَ المَعيِبِ، وأخْذَ الأرْشِ (١٥)، فله ذلك. وهذا قولُ إسحاقَ. وقال أبو حنيفةَ، والشّافِعِىُّ: ليس له إلَّا الإمساكُ، أو الرَّدُّ، وليس له أرْشٌ، إلَّا أنْ يَتَعَذَّرَ رَدُّ المَبِيعِ، لأنّ النَّبىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَعَلَ لِمُشْتَرِى الْمُصَرّاةِ الخِيارَ بينَ الإمساكِ مِن غيرِ أرْشٍ، أو الرَّدِّ. ولأنَّه يَمْلِكُ الرَّدَّ، فلم يَمْلِكْ أخْذَ جُزْءٍ مِن الثَّمَنِ، كالذى له الخِيارُ. ولَنا، أنَّه ظَهَرَ على عَيْبٍ لم يَعْلَمْ به، فكان له الأرْشُ، كما لو تَعَيَّبَ عِنْدَه. ولأنَّه فاتَ عليه جُزْءٌ مِن المَبِيعِ، فكانتْ له المُطالَبَةُ بِعِوَضِه، كما لو اشْتَرَىَ عَشْرَةَ أقْفِزَةٍ، فبانَتْ تِسْعَةً، أو كما لو أتْلَفَه بعدَ البَيْعِ؛ فأمَّا المُصَرّاةُ فليس فيها عَيْبٌ، وإنّما مَلَكَ الخِيارَ بالتَّدْلِيسِ، لا لِفَواتِ جُزْءٍ، ولذلك لا يَسْتَحِقُّ أرْشًا إذا امْتَنَعَ الرَّدُّ عليه. إذا ثَبَتَ هذا، فمعنى أرْشِ العَيْبِ أنْ يُقَوَّمَ المبِيعُ صَحِيحًا، ثم يُقَوَّمَ مَعِيبًا، فيُؤْخَذَ قِسْطُ ما بينَهما مِن الثَّمَنِ، فنِسْبَتُه إلى الثَّمَنِ نِسْبَةُ النُّقْصانِ بالعَيْبِ مِن القِيمَةِ، مثالُه أنْ يُقَوَّمَ المَعِيبُ صَحِيحًا بِعَشْرَةٍ، ومَعِيبًا بِتِسْعَةٍ، والثَّمَنُ خَمْسَةَ عَشَرَ، فقد نَقَصَه العَيْبُ عُشْرَ قِيمَتِه، فيُرْجَعُ على البائِعِ بعُشْرِ الثَّمَنِ، وهو دِرْهَمٌ ونِصْفٌ. وعِلَّةُ ذلك أنّ المَبِيعَ مَضْمُونٌ على المُشْتَرِى بِثَمَنِه، ففَواتُ جُزْءٍ منه يُسْقِطُ عنه ضَمانَ ما قابَلَه مِن الثَّمَنِ أيضًا. ولأنّنا لو ضَمَّنّاه نَقْصَ القِيمَةِ، أفْضَى إلى اجْتِماعِ الثَّمَنِ والمُثْمَنِ للمُشْتَرِى، فيما إذا اشْتَرَى شَيْئًا بنِصْفِ قِيمَتِه، فوَجَدَ به عَيْبًا يَنْقُصُه نِصْفَ قِيمَتِه، مِثْلُ أن يَشْتَرِيَه بِعَشْرَةٍ وقِيمَتُه عِشْرُونَ، فوَجَدَ به عَيْبا يَنْقُصُه عَشْرَةً، فأخَذَها، حَصَلَ له المَبِيعُ، ورجَعَ بِثَمَنِه. وهذا معنى قولِ الخِرَقىِّ:"أو يَأْخُذَ ما بَيْنَ الصِّحَّةِ والعَيْبِ". وقد نَصَّ أحمدُ على ما ذَكَرْناه. وذَكَرَه الحَسَنُ البَصْرِىُّ، فقال: يَرْجِعُ بقِيمَةِ العَيْبِ فى الثَّمَنِ يَوْمَ اشْتَراه. قال أحمدُ: هذا أحْسَنُ ما سَمِعْتُ.