للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كالتى قَبْلَها، إلَّا أنَّه لا مُخَالِفَ فيها؛ لأنَّه شَرَطَ ما اقْتَضَاهُ الإِطْلَاقُ، وبَيَّنَ ذلك تَصْرِيحُ نَصِّه، فزَالَ الإِشْكالُ.

المسألة الرابعة، قال: لِيَزْرَعَها حِنْطَةً، ولا يَزْرَعُ غيرَها. فذَكَرَ القاضي أنَّ الشَّرْطَ باطِلٌ؛ لأنَّه يُنَافِي مُقْتَضَى العَقْدِ، لأنَّه يَقْتَضِى اسْتِيفَاءَ المَنْفَعةِ كيف شاءَ، فلم يَصِحَّ الشَّرْطُ، كما لو شَرَطَ عليه اسْتِيفَاءَ المَبِيعِ بِنَفْسِه، والعَقْدُ صَحِيحٌ؛ لأنَّه لا ضَرَرَ فيه، ولا غَرَضَ (٣٤) لأحدِ المُتَعَاقِدَيْنِ، لأنَّ ما ضَرَرُه مثلُه، لا يَخْتَلِفُ في غَرَضِ (٣٥) المُؤْجِرِ، فلم يُؤَثّرْ في العَقْدِ، فأشْبَهَ شَرْطَ اسْتِيفاءِ المَبِيعِ أو الثَّمنِ بِنَفْسِه. وقد ذَكرْنا فيما إذا شَرَطَ مُكْتَرِى الدَّار أنَّه لا يُسْكِنُها غيرَه، وَجْهًا في صِحَّةِ الشَّرْطِ، وَوَجْهًا آخَرَ في فَسَادِ العَقْدِ، فيُخَرَّجُ ههُنا مثلُه.

فصل: وإن أكْرَاها لِلغِرَاسِ؛ فقيه ما ذَكَرْنا من المَسَائِل، إلَّا أنَّ له أن يَزْرَعَها؛ لأنَّ ضَرَرَ الزَّرْعِ أقَلُّ من ضَرَرِ الغِرَاسِ، وهو من جِنْسِه، لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما يَضُرُّ بِبَاطِنِ الأرْضِ. وليس له البِنَاءُ؛ لأنَّ ضَرَرَهُ مُخالِفٌ لِضَرَرِه، فإنَّه يَضُرُّ بِظَاهِرِ الأرْضِ. وإن أكْرَاها لِلزَّرْعِ، لم يكُنْ له الغَرْسُ ولا البِنَاءُ؛ لأنَّ ضَرَرَ الغَرْسِ أكْثرُ، وضَرَرُ البِنَاءِ مُخَالِفٌ لِضَرَرِه. وإن أكْرَاها (٣٦) لِلْبِنَاءِ، لم يَكُنْ له الغَرْسُ ولا الزَّرْعُ؛ لأنَّ ضَرَرَهُما يُخالِفُ ضَرَرَهُ.

فصل: ولا تَخْلُو الأرْضُ من قِسْمَيْنِ؛ أحَدهما، أن يكونَ له ماءٌ دائِمٌ، إمَّا من نَهْرٍ لم تَجْرِ العادَةُ بانْقِطاعِه، أو لا يَنْقَطِعُ إلَّا مُدَّةً لا يُؤَثّرُ في الزَّرْعِ، أو من عَيْنٍ نابِعَةٍ، أو بِرْكَةٍ من مِيَاهِ الأَمْطارِ يَجْتَمِعُ فيها ثم يَسْقِي به، أو من بِئْرٍ يَقُومُ بكِفَايَتِها، أو ما يَشْرَبُ بِعُرُوقِه لنَداوَةِ الأرْضِ، وقُرْبِ الماءِ الذي تحت الأرْضِ، فهذا كلُّه دائِمٌ. ويَصِحُّ


(٣٤) في الأصل: "عوض".
(٣٥) في م: "غير".
(٣٦) في الأصل: "اكتراها".

<<  <  ج: ص:  >  >>