للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وُجُوبُ ضَمانِه؛ لأنَّه لم يُنْجِه من الهَلاكِ مع إمْكانِه، فيَضْمَنُه، كما لو مَنَعَه الطَّعامَ والشَّرَابَ. ولَنا، أنَّه لم يُهْلِكْه، ولم يَكُنْ سَبَبًا في هَلاكِه، فلم يَضْمَنْه، كما لو لم يَعْلَمْ بحالِه، وقياسُ هذا على هذه المسألةِ غيرُ صحيحٍ؛ لأنَّه في المسألةِ مَنَعَه مَنْعًا كان سَبَبًا في هَلاكِه، فضَمِنَه بفِعْلِه الذي تَعَدَّى به، وههُنا لم يَفْعَلْ شيئًا يكونُ سَبَبًا.

فصل: ومَنْ ضَرَبَ إنسانًا حتى أحْدَثَ، فإنَّ عثمانَ، رَضِىَ اللَّه عنه، قَضَى فيه بثُلُثِ الدِّيَةِ (٧٤). وقال أحمدُ: لا أعْرِفُ شيئًا يَدْفَعُه. وبه قال إسحاقُ. وقال أبو حنيفةَ، ومالكٌ، والشافعيُّ: لا شىءَ فيه؛ لأنَّ الدِّيَةَ إنَّما تَجِبُ لإِتْلافِ مَنْفَعةٍ أو عُضْوٍ، أو إزالةِ جَمَالٍ، وليس ههُنا شيءٌ من ذلك. وهذا هو القياسُ، وإنَّما ذَهَبَ مَنْ ذَهَبَ إلى إيجابِ الثُّلثِ؛ لِقَضِيَّةِ عُثمانَ؛ لأنَّها في مَظِنَّةِ الشُّهْرةِ، ولم يُنْقَلْ خِلافُها، فيكونُ إجْماعًا، ولأنَّ قَضَاءَ الصحابىِّ بما يُخالِفُ القِياسَ. يَدُلُّ على أنَّه تَوْقِيفٌ. وسواءٌ كان الحَدَثُ رِيحًا أو غائِطًا أو بَوْلًا. وكذلك الحكمُ فيما إذا أفْزَعَه حتى أحْدَثَ.

فصل: إذا ادَّعَى القاتلُ أنَّ المَقْتُولَ كان عَبْدًا، أو ضَرَبَ مَلْفُوفًا فَقَدَّه، أو ألْقَى عليه حائِطًا، أو ادَّعَى أنَّه كان مَيِّتًا، وأنْكَرَ وَلِيُّه ذلك، فالقولُ قولُ الوَلِىِّ مع يَمِينِه. وهذا أحَدُ قولَىِ الشافعىِّ. وقال في الآخَرِ: القولُ قولُ الجانِى؛ لأنَّ الأصْلَ بَراءةُ ذِمَّتِه، وما ادَّعاه مُحْتَمِلٌ، فلا نَزُولُ عن اليَقينِ بالشَّكِّ. ولَنا، أنَّ الأصْلَ حياةُ المَجْنِىِّ عليه وحُرِّيَّتُه، فيَجِبُ الحكمُ ببَقائِه، كما لو قَتَلَ مَنْ كان مُسْلِمًا، وادَّعَى أنَّه ارْتَدَّ قبلَ قَتْلِه. وبهذا يَبْطُلُ ما ذكَرَه. وهكذا لو قَتَلَ في دارِ الإِسلامِ إنسانًا، وادَّعَى أنَّه كان كافِرًا، وأنْكَرَ ولِيُّه، فالقولُ قولُ الوَلِىِّ؛ لأنَّ الدَّارَ دارُ إسْلامٍ (٧٥)، ولذلك حَكَمْنا بإسْلامِ لَقِيطِها. وإن قَطَعَ عُضْوًا وادَّعَى شَلَلَه، أو قَلَعَ عينًا وادَّعَى عَماها، وأنْكَرَ الولىُّ، فالقولُ قولُ المَجْنِىِّ عليه؛ لأنَّ الأصْلَ السَّلامةُ. وكذلك لو قَطَعَ ساعِدًا وادَّعَى أنَّه لم يكُنْ عليه


(٧٤) أخرجه عبد الرزاق، في: باب هل يضمن الرجل من عنت في منزله، من كتاب العقول. المصنف ١٠/ ٢٤. وابن أبي شيبة، في: باب الرجل يضرب الرجل حتى يحدث، من كتاب الديات. المصنف ٩/ ٣٣٨.
(٧٥) في ب، م: "الإسلام".

<<  <  ج: ص:  >  >>