للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: وإذا أقَرَّ الرَّاهِنُ بِتَقْبِيضِ الرَّهْنِ، أو أقَرَّ المُرْتَهِنُ بِقَبْضِه، كان ذلك مَقْبُولًا فيما يمكنُ صِدْقُهُما فيه. وإن أقَرَّ الرَّاهِنُ بالتَّقْبِيضِ (١٢)، ثم أنْكَرَ (١٣)، وقال: أقْرَرْتُ بذلك ولم أكن قَبَّضْتُ شيئا. أو أقَرَّ المُرْتَهنُ بالقَبْضِ، ثم أنْكَرَ، فالقولُ قولُ المُقرِّ له، فإن طَلَبَ المُنْكِرُ يَمِينَه، ففيه وَجْهَانِ؛ أحدُهما، لا يَلْزَمُه يَمِينٌ؛ لأنَّ الإقْرَارَ أَقوَى من البَيِّنَةِ، ولو قَامَتِ البَيِّنَةُ بذلك وطَلَبَ المَشْهُودُ عليه يَمِينَ خَصْمِه لم يُقْبَلْ منه، فكذلك الإقْرَارُ. والثاني، يَلْزَمُه اليَمِينُ. وهو قولُ الشَّافِعِيِّ في مَنْصُوصِه؛ لأنَّ العادَةَ جَارِيَةٌ بأنَّ الإنْسَانَ يَشْهَدُ على نَفسِه بالقَبْضِ قبلَه، فَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ، ويَلْزَمُ خَصْمَهُ اليَمِينُ، لما ذَكَرْنَا من حُكْمِ العَادَةِ، وهذا أجْوَدُ. ويُفَارِقُ البَيِّنَةَ، فإنَّها لا تَشهَدُ بالحَقِّ قبلَه، ولو فَعَلْتَ ذلك لم تكنْ بَيِّنَةً عَادِلَةً. وقال القاضي: إن كان المُقِرُّ غَائِبًا، فقال: أقْرَرْتُ لأنَّ وَكِيلِى كَتَبَ إلَىَّ بذلك، ثم بَانَ لى خِلَافُه. سَمِعْنَا قَوْلَه، وأحْلَفْنَا خَصْمَهُ. وإن أقَرَّ أنه بَاشَرَ ذلك بِنَفْسِه، ثم عادَ فأكْذَبَ نَفْسَه، لم يُحْلَفْ خَصْمُه. وهذا قولُ بعضِ أصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، فأمَّا إن اخْتَلَفَا في القَبْضِ، فقال المُرْتَهِنُ: قَبَّضْتُه. وأنْكَرَ الرَّاهِنُ، فالقولُ قولُ مَن هو في يَدِه؛ لأنَّه إن كان في يَدِ الرَّاهِنِ فالأَصْلُ معه، وهو عَدَمُ الإقْبَاضِ، ولم يُوجَدْ ما يَدُلُّ على خِلَافِهِ، وإن كان في يَدِ المُرْتَهِنِ، فقد وُجِدَ القَبْضُ، لِكَوْنِه لا يَحْصُلُ في يَدِه إلَّا بعد قَبْضِه. وإن اخْتَلَفَا في الإذْنِ، فقال الرَّاهِنُ: أخَذْتَهُ بغير إِذْنِي. قال: بل بإذْنِكَ. وهو في يَدِ المُرْتَهِنِ، فالقولُ قولُه؛ لأنَّ الظَّاهِرَ معه، فإن العَقْدَ قد وُجِدَ، ويَدُهُ تَدُلُّ على أنَّه بِحَقٍّ. ويَحْتَمِلُ أن يكونَ القَوْلُ قولَ الرَّاهِنِ؛ لأنَّ الأصْلَ عَدَمُ الإذْنِ. وهذا مَذْهَبُ الشَّافِعيِّ. ذَكَرَ القاضي هذَيْنِ الوَجْهَيْنِ.

فصل: وإذا رَهَنَهُ عَيْنَيْنِ، فتَلِفَتْ إحْدَاهُما قبلَ قَبْضِها، انْفَسَخَ العَقْدُ فيها دون البَاقِيَةِ، لأنَّ العَقْدَ كان صَحِيحًا فيهما، وإنَّما طَرَأَ انْفِسَاخُ العَقْدِ في إحْدَاهما، فلم


(١٢) في الأصل: "بالقبض".
(١٣) في م: "أنكره".

<<  <  ج: ص:  >  >>