للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَجْرَى الزَّوْجَةِ فيما ذَكَرْنا؛ لِوُجُودِ المَعْنَى فيه. ولو كانت امْرَأَتُه مَمْنُوعَةً من التَّصَرُّفِ فى بَيْتِ زَوْجِها، كالَّتى يُطْعِمُها بالفَرْضِ، ولا يُمَكِّنُها من طَعَامِه، ولا من التَّصَرُّفِ فى شَىْءٍ من مَالِه، لم يَجُزْ لها الصَّدَقَةُ بشىءٍ من مَالِه؛ لِعَدَمِ المَعنَى فيها، واللهُ أعلمُ.

٨١٢ - مسألة؛ قال: (والرُّشْدُ الصَّلَاحُ فى المَالِ)

هذا قولُ أَكْثَرِ أهْلِ العِلْمِ، منهم؛ مَالِكٌ، وأبو حنيفةَ. وقال الحسنُ والشَّافِعِيُّ، وابنُ المُنْذِرِ: الرُّشْدُ صَلَاحُه فى دِينِه ومَالِه؛ لأنَّ الفَاسِقَ غيرُ رَشِيدٍ، ولأنَّ إفْسَادَهُ لدِينِه يَمْنَعُ الثِّقَةَ به فى حِفْظِ مَالِه، كما يَمْنَعُ قَبُولَ قَوْلِه، وثُبُوتَ الوِلَايَةِ على غيرِه، وإنْ لم يُعْرَفْ منه كَذِبٌ ولا تَبْذِيرٌ. ولَنا، قَوْلُ اللهِ تعالى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} (١). قال ابنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِى صَلَاحًا فى أموالِهِمْ. وقال مُجاهِدٌ: إذا كان عَاقِلًا. ولأنَّ هذا إثْباتٌ فى نَكِرَةٍ، ومَن كان مُصْلِحًا لِمالِه، فقد وُجِدَ منه رُشْدٌ، ولأنَّ العَدَالَةَ لا تُعْتَبَرُ فى الرُّشْدِ فى الدَّوَامِ، فلا تُعْتَبَرُ فى الابْتِدَاءِ، كالزُّهْدِ فى الدُّنْيا، ولأنَّ هذا مُصْلِحٌ لِمالِه، فأشْبَه العَدْلَ، يُحَقِّقُه أنَّ الحَجْرَ عليه إنَّما كان لِحِفْظِ مَالِه عليه، فالمُؤَثِّر فيه ما أثَّرَ فى تَضْيِيعِ المالِ، أو حِفْظِه. وقَوْلُهُم: إنَّ الفَاسِقَ غيرُ رَشِيدٍ. قُلْنا: هو غيرُ رَشِيدٍ فى دِينِه، أمَّا فى مَالِه وحِفْظِه فهو رَشِيدٌ، ثمَّ هو مُنْتَقِضٌ بالكَافِرِ، فإنَّه غيرُ رَشِيدٍ ولا (٢) يُحْجَرُ عليه [لِذلك، وكذلك لو طَرَأ الفِسْقُ على المُسْلِم بعدَ دَفْع مَالِه إليه، لم يَزُلْ رُشْدُه، ولم يُحْجَرْ عليه] (٣) من أجْلِه، ولو كانتِ العَدالَةُ شَرْطًا فى الرُّشْدِ، لَزَالَ بِزَوَالِها، كحِفْظِ المالِ، ولا يَلْزَمُ من مَنْعِ قَبُولِ القَوْلِ مَنْعُ دَفْعِ مَالِه إليه، فإنَّ من يُعْرَفُ بِكَثْرَةِ الغَلَطِ والغَفْلَةِ والنِّسْيَانِ، أو من يَأْكُلُ فى السُّوقِ، ويَمُدُّ رِجْلَيْهِ فى مَجَامِع


(١) سورة النِّساء ٦.
(٢) فى ب، م: "ولم".
(٣) سقط من: ب، م.

<<  <  ج: ص:  >  >>