للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: إذا قَلَعَ الأَعْوَرُ عَيْنَ صَحِيحٍ، فلا قَوَدَ، وعليه دِيَةٌ كاملةٌ. رُوِىَ ذلك عن عمرَ، وعثمانَ، رَضِىَ اللَّه عنهما (١٦). وبه قال سعيدُ بن المُسَيَّبِ، وعَطاءٌ. وقال الحسنُ والنَّخَعِىُّ: إن شاء اقْتَصَّ وأعْطاه نِصْفَ دِيَةٍ. وقال مالكٌ: إن شاء اقْتَصَّ، وإن شاء أخَذَ دِيَةً كاملةً. وقال مَسْرُوقٌ والشَّعْبِىُّ، وابنُ سِيرِينَ، وابنُ مَعْقِلٍ (١٧)، والثَّوْرِيُّ، والشَّافعىُّ، وأصْحابُ الرَّأْىِ، وابنُ المُنْذِرِ: له القِصاصُ، ولا شىءَ عليه. وإن عَفَا، فله نِصْفُ الدِّيةِ، لقولِ اللَّه تعالى: {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ}. وجَعَلَ النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في العَيْنَينِ الدِّيَةَ (١٨). ولأنَّها إحْدَى شَيْئَيْنِ فيهما الدِّيَةُ، فوَجَبَ القِصاصُ ممَّن له واحدةٌ، أو نِصْفُ الدِّيَةِ، كما لو قَطَعَ الأَقْطَعُ يَدَ مَنْ له يَدَانِ. ولَنا، قولُ عمرَ وعثمانَ، رَضِىَ اللَّه عنهما، [ولم نَعْرِفْ لهما مُخالِفًا] (١٩) في عَصْرِهما، ولأنَّه لم يَذْهَبْ بجَميعِ (٢٠) بَصَرِه، فلم يَجُزْ له الاقْتِصاصُ منه بجميعِ بَصَرِه، كما لو كان ذا عَيْنَيْنِ. وأمَّا إذا قَطَعَ يَدَ الأَقْطَعِ، فلَنا فيه مَنْعٌ، ومع التَّسْليمِ، فالفَرْقُ بينهما أنَّ يَدَ الأقْطَعِ لا تَقُومُ مَقامَ اليَدَيْنِ في النَّفْعِ الحاصلِ بهما، بخلافِ عَيْنِ الأعْوَرِ، فإنَّ النفعَ الحاصِلَ بالعَيْنَيْنِ حاصِلٌ بها، كلُّ حُكْمٍ يتعَلَّقُ بصَحِيحِ العينينِ، يَثْبُتُ في الأعْوَرِ مثلُه، ولهذا صَحَّ عِتْقُه في الكَفَّارةِ دُونَ الأَقْطَعِ. فأمَّا وُجُوبُ الدِّيَةِ كامِلةً عليه، وهو قولُ مالكٍ، فلأنَّه لمَّا دُفِعَ عنه القِصاصُ مع إمْكانِه لفَضِيلَتِه، ضُوعِفَتِ الدِّيَةُ عليه، كالمُسْلمِ إذا قَتَلَ ذِمِّيًّا عَمْدًا. ولو قَلَعَ الأعْورُ إحْدَى عَيْنَىِ الصَّحِيحِ خطأً، لم يَلْزَمْه إلَّا نِصْفُ الدِّيَةِ، بغيرِ اخْتلافٍ؛ لعَدَمِ المعنى المُقْتَضِى لتَضْعِيفِ الدِّيَةِ.


(١٦) أخرجه عن عمر وعثمان عبد الرزاق، في: باب الأعور يصيب عين الإِنسان، من كتاب العقول. المصنف ٩/ ٣٣٠، ٣٣١. وأخرجه عن عثمان، البيهقي، في: باب الصحيح يصيب عين الأعور. . ., من كتاب الديات. السنن الكبرى ٨/ ٩٤.
(١٧) في النسخ: "مغفل". وتقدم في: ٣/ ٢٦١.
(١٨) أخرجه النسائي، في: باب ذكر حديث عمرو بن حزم في العقول واختلاف الناقلين له، من كتاب القسامة المجتبى ٨/ ٥٢. والدارمى، في: باب كم الدية من الإِبل، من كتاب الديات. سنن الدارمي ٢/ ١٩٣.
(١٩) في الأصل: "يعرف لهما مخالف".
(٢٠) في ب: "جميع".

<<  <  ج: ص:  >  >>