للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبو الزِّناد: العَقِيقَةُ من أمرِ الناسِ، كانُوا يكرهُون تَرْكَه. وقال أحمدُ: العَقِيقَةُ سُنَّةٌ عن رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قد عَقَّ عن الحسنِ والحسينِ، وفَعَلَه أصحابُه، وقال النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الْغُلَامُ مُرْتَهَنٌ بعَقِيقَتِهِ". وهو إسْنادٌ جَيِّدٌ، يَرْوِيهِ أبو هُرَيْرةَ عن النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-. وجَعَلَها أبو حنيفة من أمرِ الجاهِلِيَّةِ، وذلك لِقِلَّةِ عِلْمِه ومَعْرِفَتِه بالأَخبارِ (١٤). وأمَّا بَيانُ كونِها غيرَ واجِبَةٍ، فدَلِيلُه ما احْتَجَّ به أصحابُ الرَّأْىِ من الْخَبَرِ، وما رَوَوْه محمولٌ علِى تأكيدِ الاسْتِحبابِ، جَمْعًا بينَ الأخْبارِ، ولأنَّها ذَبِيحَةٌ لسُرورٍ حادِثٍ، فلم تكُنْ واجِبَةً، كالوَلِيمَةِ والنَّقِيعَةِ (١٥).

فصل: والعَقِيقَةُ أفْضَلُ من الصَّدَقَةِ بقيمَتِها. نَصَّ عليه أحمدُ، وقال: إذا لم يكُنْ عندَه ما يَعُقُّ، فاسْتَقْرَضَ، رَجَوْتُ أَنْ يُخْلِفَ اللَّه عليه، إحْياءَ سُنَّةٍ. قال ابنُ الْمُنْذِر: صَدَقَ أحمدُ، إحياءُ السُّنَنَ واتِّباعُها أفْضَلُ، وقد وَرَدَ فيها من التَّأْكيدِ فى الأخْبارِ التى رَوَيْناها ما لم يَرِدْ فى غيرِها. ولأَنَّها ذَبِيحَةٌ أمرَ النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بها، فكانَتْ أوْلَى، كالوَلِيمةِ والأُضْحِيَةِ.

١٧٧٠ - مسألة؛ قال: (عَنِ الغُلَامِ شَاتَانِ، وعَنِ الْجَارَية شَاةٌ)

هذا قولُ أكثرِ القائِلِين بها. وبه قال ابنُ عبّاسٍ، عائشةُ، والشافِعِىُّ، وإسحاقُ، وأبو ثَوْرٍ. وكان ابنُ عمرَ يقول: شاةٌ شاةٌ عن الغلامِ والجارَيةِ (١). لما رُوِىَ عن النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنَّه (٢) عَقَّ عن الحسنِ شاةً، وعن الحسينِ شاةً. روَاه أبو داود (٣). وكان الحسنُ، وقتادَةُ، لا يَرَيان عن الجارِيَةِ عَقِيقةً؛ لأنَّ العَقِيقَةَ شكرٌ للنِّعمَةِ الحاصِلَةِ بالولدِ، والجارِيَةُ لا


(١٤) السنة النبوية لم تجتمع كلها عند أحد من الأئمة، وقد يقول الإمام بما يخالف الحديث؛ لأنه لم يبلغه، ومن أسباب كثرة اعتماد الإمام أبى حنيفة -رحمه اللَّه- على القياس، ظهور الفِرَق فى وقته فى العراق، كثرة الكذب، حيث لا يعتمد على رواية أصحاب هذه الفرق. ولعل الموفق -رحمه اللَّه- يقصد بقوله هذا عدم علمه بالأخبار الواردة فى هذا الباب، وإلا فالإمام أبو حنيفة من أئمة المسلمين المقتدى بهم.
(١٥) النقيعة: طعام القادم من سفره.
(١) أخرجه عبد الرزاق، فى: باب العقيقة، من كتاب العقيقة. المصنف ٤/ ٣٣١. وابن أبى شيبة، فى: باب من قال: يسوى بين الغلام والجارية، من كتاب العقيقة. المصنف ٨/ ٢٣٩.
(٢) سقط من: الأصل، ب.
(٣) فى: باب فى العقيقة، من كتاب الأضاحى. سنن أبى داود ٢/ ٩٦ بلفظ: "كبشا كبشا".
كما أخرجه الترمذى، فى: باب العقيقة بشاة، من أبواب الأضحية. عارضة الأحوذى ٦/ ٣١٧. والنسائى، فى: باب أخبرنا الحسين بن حريث. . .، من كتاب العقيقة. المجتبى ٧/ ١٢٥. والإمام أحمد، فى: المسند ٥/ ٣٥٥، ٣٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>