وجملةُ ذلك، أنَّه إذا قال فى المُرابَحَةِ: رَأْسُ مالِى فيه مائَةٌ، وأرْبَحُ عَشَرَةً. ثم عادَ فقال: غَلِطْتُ، رَأْسُ مالِى فيه مائةٌ وعَشَرَةٌ. لم يُقْبَلْ قَوْلُه فى الغَلَطِ، إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ أنَّ رَأْسَ مالِه عليه ما قاله ثانِيًا. وذَكَرَه ابنُ المُنْذِرِ عن أحمدَ وإسْحاقَ. ورَوَى أبو طالِبٍ عن أحمدَ، إذا كان البائِعُ مَعْرُوفًا بالصِّدْقِ، قُبِلَ قَوْلُه، وإنْ لم يَكُنْ صَدُوقًا، جازَ البَيْعُ. قال القاضى: وظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ، أنَّ القولَ قولُ البائِعِ مع يَمِينِه؛ لأنَّه لمَّا دَخَلَ معه فى المُرابَحَةِ فقد ائْتَمَنَه، والقولُ قولُ الأمِينِ مع يَمِينِه، كالوَكِيلِ والمُضارِبِ. والظَّاهِرُ أنَّ الخِرَقِىَّ لم يَتْرُكْ ذِكْرَ ما يَلْزَمُ البائِعَ فى إثْباتِ دَعْواهُ؛ لكَوْنِه يَقْبَلُ مُجَرَّدَ دَعْواه، بل لأنَّه عَطَفَه على المَسْأَلَةِ قبلها، وقد ذَكَرَ فيها، فعَلِمَ أنَّه زادَ فى رَأْسِ المالِ، ولم يَتَعَرَّضْ لما يَحْصُلُ به العِلْمُ، لكنْ قد عَلِمْنا أنَّ العِلْمَ إنَّما يَحْصُلُ بِبَيِّنَةٍ أو إقْرارٍ، كذلك عِلْمُ غَلَطِه هاهُنا يَحْصُلُ بِبَيِّنَةٍ أو إقْرارٍ من المُشْتَرِى، وكونُ البائِعِ مُؤْتَمَنًا لا يُوجِبُ قَبُولَ دَعْواه فى الغَلَطِ، كالمُضارِبِ والوَكِيلِ إذا أقَرَّا بِرِبْحٍ، ثم قالا: غَلِطْنا أو نَسِينا. واليَمِينُ التى ذَكَرَها الخِرَقِىُّ هاهُنا، إنَّما هى نَفْىُ (١) عِلْمِه بِغَلَطِ نَفْسِه وقتَ البَيْعِ، لا على إثْباتِ غَلَطِه. وعن أحمدَ رِوايَةٌ ثالثةٌ، أنَّه لا يُقْبَلُ قَوْلُ البائِعِ، وإنْ أقامَ به بَيِّنَةً حتى يُصَدِّقَه المُشْتَرِى. وهو قولُ الثَّوْرِىِّ والشَّافِعِىِّ؛ لأنَّه أقَرَّ بالثَّمَنِ، وتَعَلَّقَ به حَقُّ الغَيْرِ. فلا يُقْبَلُ رُجُوعُه ولا بَيِّنَتُه؛ لإقْرَارِه بِكَذِبِهَا. ولَنا، أنَّها بَيِّنَةٌ عادِلَةٌ، شَهِدَتْ بما يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ، فَتُقْبَلُ، كسائِر البَيِّناتِ. ولا يُسَلَّمُ أنَّه أقَرَّ بخِلافِها؛ فإنَّ الإِقْرارَ يكونُ لغير المُقِرِّ، وحالَةَ إخْبارِه بِثَمَنِها لم يكنْ عليه حَقٌّ لغيرِه، فلم يكن إقْرارٌ.