وكذلك لو مَاتَ الرَّاهِنُ بعدَ الإِذْنِ، انْفَسَخَتِ الوَكَالَةُ، وقِيَاسُ المَذْهَبِ أنَّه متى عَزَلَهُ عن البَيْعِ، فلِلْمُرْتَهِنِ فَسْخُ البَيْعِ الذى حَصَلَ الرَّهْنُ بِثَمَنِه، كما لو امْتَنَعَ الرَّاهِنُ من تَسْلِيمِ الرَّهْنِ المَشْرُوطِ فى البَيْعِ، فأمَّا إن عَزَلَهُ المُرْتَهِنُ، فلا يَنْعَزِلُ؛ لأنَّ العَدْلَ وَكِيلُ الرَّاهِنِ، إذِ الرَّهْنُ مِلْكُه، ولو انْفَرَدَ بِتَوْكِيلِه صَحَّ، فلم يَنْعَزِلْ بِعَزْلِ غيرِه، لكنْ لا يجوزُ بَيْعُه بغيرِ إِذْنِه. وهكذا لو لم يَعْزِلَاهُ، فحَلَّ الحَقُّ، لم يَبِعْهُ حتى يَسْتَأْذِنَ المُرْتَهِنَ؛ لأنَّ البَيْعَ لِحَقِّه، فلم يَجُزْ حتى يَأْذَنَ فيه، ولا يَحْتَاجُ إلى تَجْدِيدِ إذْنٍ من الرَّاهِنِ، فى ظَاهِر كَلَامِ أحمدَ؛ لأنَّ الإِذْنَ قد وُجِدَ مَرَّةً، فيَكْفِى، كما فى الوَكَالَةِ فى سائِرِ الحُقُوقِ. وذَكَرَ القاضى وَجْهًا آخَرَ، أنَّه يَحْتَاجُ إلى تَجْدِيدِ إِذْنٍ؛ لأنَّه قد (١٤) يكونُ له غَرَضٌ فى قَضَاءِ الحَقِّ مِن غيرِه. والأَوَّلُ أَوْلَى، فإنَّ الإِذْنَ كافٍ ما لم يغيّرْ، والغَرَضُ لا اعْتِبَارَ به مع صَرِيحِ الإِذْنِ بخِلَافِه، بِدَلِيلِ ما لو جَدَّدَ الإِذْنَ له، بخِلَافِ المُرْتَهِنِ، فإنَّ المَبيعَ يَفْتَقِرُ إلى مُطَالَبتِه بالحَقِّ، ومذهبُ الشَّافِعِىِّ نَحْوٌ من هذا.
فصل: ولو أَتْلَفَ الرَّهْنَ فى يَدِ العَدْلِ أجْنَبِىٌّ، فعلى الجَانِى قِيمَتُه، تكونُ رَهْنًا فى يَدِه، وله المُطَالَبَةُ بها؛ لأنَّها بَدَلُ الرَّهْنِ، وقَائِمَةٌ مقَامَهُ، وله إمْسَاكُ الرَّهْنِ وحِفْظُه. فإن كان المُتَراهِنَانِ أَذِنَا له فى بَيْعِ الرَّهْنِ، فقال القاضى: قِياسُ المذهبِ أنَّ له بَيْعَ قِيمَتِه؛ لأنَّ له بَيْعَ نَمَاءِ الرَّهْنِ تَبَعًا لِلأَصلِ، فالقِيمَةُ أَوْلَى. وقال أصْحابُ الشَّافِعِىِّ: ليس له ذلك؛ لأنَّه مُتَصَرِّفٌ بالإِذْنِ، فلا يَمْلِكُ بَيْعَ ما لم يُؤْذَنَ له فى بَيْعِه، والمَأْذُونُ فى بَيْعِه قد تَلِفَ، وقِيمَتُه غيرُه. وللقاضى أن يقولَ: إنَّه قد أُذِنَ له فى بَيْعِ الرَّهْنِ، والقِيمَةُ رَهْنٌ، يَثْبُتُ لها حُكْمُ الأَصْلِ، من كَوْنِه يَمْلِكُ المُطَالَبَةَ بها، وإمْسَاكَها، واسْتِيفَاءَ دَيْنِه من ثَمَنِها، فكذلك بَيْعُها، فإن كانت القِيمَةُ من جِنْسِ الدَّيْنِ، وقد أُذِنَ له فى وَفَائِه مِن ثَمَنِ الرَّهْنِ، مَلَكَ إِيفَاءَهُ من القِيمَةِ؛