للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَحْمِلُه العاقِلَةُ، كجِراحَةِ العَمْدِ، أو العَبْدِ، سُمِعَتْ شَهادةُ العاقِلَةِ بجَرْحِ الشُّهودِ، لأنَّهما لا يَدْفَعانِ عن أَنْفُسِهما ضَررًا، فإنَّ مُوجبَ هذه الجِراحَةِ القِصاصُ أو المالُ في ذِمَّةِ الجاني، وكذلك إنْ كانَ الشَّاهِدانِ شَهِدَا (٢٤) على إقْرَارِه بالجُرْحِ؛ لأنَّ العاقِلَةَ لا تَحْمِلُ الاعْترِافَ. وإن كانتْ شَهادَتُهما بجِراحٍ عَقْلُهُ دونَ ثُلثِ الدِّيَةِ خَطَأً، نَظَرْنا؛ فإن كانتْ شَهادَةُ العاقِلَةِ بجَرْحِ الشُّهودِ قَبلَ الانْدِمالِ، لم تُقْبَلْ؛ لأنَّها ربَّما صارتْ نفسًا فتَحْمِلُها العاقِلَةُ، وإن كانت بعدَه، قُبِلَتْ؛ لأنَّها لا تَحْمِلُ ما دونَ الثُّلثِ. وإن كانَ الشاهدانِ بالجَرْحِ ليسا منَ العاقلةِ في الحالِ، وإنَّما يصِيرانِ من العاقِلَةِ التي تتَحَمَّلُ أنْ لو ماتَ مَن هو أقربُ منهما، قُبِلَتْ شهادَتُهما. ذكرَه القاضِى؛ لأنَّهما ليسا من العاقِلَةِ، وإنَّما يَصيران منها بمَوْتِ القريبِ، والظاهرُ حياتُه. وفارقَ الفقيرَ إذا شَهِدَ؛ لأنَّ الغَنِي ليستْ عليه أَمارَةٌ، فإنَّ المالَ غادٍ ورائِحٌ. ومذهبُ الشافعيِّ في هذا الفصلِ كلِّه [كنَحْوِ ما] (٢٥) ذكرْنا. ويَحْتمِلُ أن يُسَوَّى بينَ المَسْألتَيْن (٢٦)؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما ليس من العاقِلَةِ في الحالِ، وإنَّما يَصِيرُ منها بحُدوثِ أمرٍ لم يتَحَقَّقِ (٢٧) الآنَ سَبَبُه، فهما سَواءٌ، واحتمالُ غِنَى الفقيرِ، كاحتمالِ مَوْتِ الحَيِّ، بل المَوتُ أَقْرَبُ، فإنَّه لا بُدَّ مِنه، وكلُّ (٢٨) حيٍّ مَيِّتٌ، وَكُلُّ نفسٍ ذَائِقَةُ الموتِ، وليس كلُّ فقيرٍ يَسْتَغنِى، فما ثَبَتَ في إحْدَى الصُّورتين يَثبُتُ في الأُخْرَى، فيثبُتُ فيهما جميعًا وَجْهانِ، بأنْ يُنْقَلَ حُكْمُ كُلِّ (٢٩) واحدةٍ من الصُّورَتَيْن إلى الأُخْرَى.

فصل: إذا شَهِدَ رَجُلان على رَجُلَيْن، أنَّهما قَتَلا رجلًا، ثم شَهِدَا المشْهُودُ (٣٠) عليهما على الأَوَّلَيْن أنَّهما اللَّذانِ قَتَلاه، فَصَدَّقَ الوَلِيُّ الأوَّلَيْن، وكَذَّبَ الآخِرَيْن، وجبَ القتلُ عليهما؛ لأنَّ الوَلِيَّ يُكَذِّبُهما، وهما يَدْفَعانِ بِشَهادتِهما عن أنْفُسِهما


(٢٤) في م: "يشهدان".
(٢٥) في ب، م: "على نحو ما".
(٢٦) في ب، م: "المسلمين".
(٢٧) في أ: "يتفق".
(٢٨) في م زيادة: "شيء حي".
(٢٩) سقط من: الأصل.
(٣٠) في ب: "الشهود".

<<  <  ج: ص:  >  >>