للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنَّ المُسْلَمَ فيه مَعْدُومٌ في الأَصْلِ، لكَوْنِ السَّلَمِ إنَّما ثَبَتَ رُخْصَةً في حَقِّ المَفَالِيسِ، فلا بُدَّ من الأَجَلِ ليَحْصُلَ ويُسَلَّمَ؛ وهذا يَتَحَقَّقُ بأقَلِّ مُدَّةٍ يَتَصَوَّرُ تَحْصِيلُه فيها. ولَنا، أنَّ الأَجَلَ إنَّما اعْتُبِرَ لِيَتَحَقَّقَ الْمَرْفَقُ الذي شُرعَ مِن أَجْلِهِ السَّلَمُ، ولا يَحْصُلُ ذلك بالمُدَّةِ التي لا وَقْعَ لها في الثَّمَنِ، ولا يَصِحُّ اعْتِبَارُه بمُدَّةِ الخِيَارِ؛ لأنَّ الخِيَارَ يجوزُ سَاعَةً، وهذا لا يجوزُ، والأَجَلُ يجوزُ أن يكونَ أعْوَامًا، وهم لا يُجِيزُونَ الخِيَارَ أكْثَرَ من ثَلَاثٍ، وكونُها آخِرَ حَدِّ القِلَّةِ، لا يَقْتَضِى التَّقْدِيرَ بها. وقولُهم: إنَّ المَقْصُودَ يَحْصُلُ بأقَلِّ مُدَّةٍ. غيرُ صَحِيحٍ؛ فإنَّ السَّلَمَ إنَّما يكونُ لحَاجَةِ المَفالِيسِ الذين لهم ثِمَارٌ أو زُرُوعٌ أو تِجَارَاتٌ يَنْتَظِرُونَ حُصُولَها، ولا تَحْصُلُ هذه في المُدَّةِ اليَسِيرَةِ.

الفصل الثالث، في كَوْنِ الأجَلِ مَعْلُومًا بالأَهِلَّةِ، وهو أن يُسْلِمَ إلى وَقْتٍ يُعْلَمُ بالهِلَالِ، نحو أَوَّلِ الشَّهْرِ، أو أَوْسَطِه، أو آخِرِه، أو يومٍ مَعْلُومٍ منه؛ لقولِ اللهِ تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} (٧). ولا خِلَافَ في صِحَّةِ التَّأْجِيلِ بذلك. ولو أَسْلَمَ إلى عِيدِ الفِطْرِ، أو النَّحْرِ، أو يَوْمِ عَرَفَةَ، أو عَاشُورَاءَ، أو نحوِها، جَازَ؛ لأنَّه مَعْلُومٌ بالأَهِلَّةِ. وإن جَعَلَ الأجَلَ مُقَدَّرًا بغيرِ الشُّهُورِ الهِلَالِيَّةِ، فذلك قِسْمَانِ؛ أحدُهما، ما يَعْرِفُه المُسْلِمُونَ، وهو بينهم مَشْهُورٌ ككَانُون وشُبَاط، أو عِيدٍ لا يَخْتَلِفُ كالنَّيْرُوزِ والمِهْرَجَانِ عندَ من يَعْرِفُهُما، فظاهِرُ كَلامِ الخِرَقِيِّ وابنِ أبى موسَى، أنَّه لا يَصِحُّ؛ لأنَّه أسْلَمَ إلى غيرِ الشُّهُورِ الهِلَالِيَّةِ. أشْبَه إذا أسْلَمَ إلى الشَّعَانِينِ (٨) وعِيدِ الفَطِيرِ، ولأنَّ هذه لا يَعْرِفُها كَثِيرٌ من المُسْلِمِينَ، أشْبَهَ ما ذَكَرْنا. وقال القاضِى: يَصِحُّ. وهو قولُ الأَوْزَاعِيِّ، والشَّافِعِيِّ. قال الأَوْزَاعِيُّ: إذا أسْلَمَ إلى فِصْحِ النَّصَارَى وصَوْمِهِم، جَازَ؛ لأنه مَعْلُومٌ لا يَخْتَلِفُ، أشْبَه أَعْيَادَ المُسْلِمِين. وفَارَق ما يختلفُ؛ فإنَّه لا يَعْلَمُه


(٧) سورة البقرة ١٨٩.
(٨) الشعانين: عيد للنصارى يقع يوم الأحد السابق لعيد الفصح.

<<  <  ج: ص:  >  >>