للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أنَّه متى كان المانعُ مُتَأَكِّدًا، كالإِحرامِ وشِبْهِه، مَنَعَ كَمالَ الصَّدَاقِ، ولم تَجِبِ العِدَّةُ؛ لأنَّ الخَلْوَةَ إنَّما أُقِيمَتْ مُقامَ المَسِيسِ؛ لأنَّها مَظِنَّةٌ له، ومع المانعِ لا تتَحَقَّقُ المَظِنَّةُ. فأمَّا إن خَلَا بها، وهى صغيرةٌ لا يُمْكِنُ وَطْؤْها، أو كان أعْمى فلم يَعْلَمْ بها، فلا عِدَّةَ عليها، ولا يكْمُلُ صَداقُها؛ لأنَّ المَظِنَّةَ لا تتَحَقَّقُ مع ظُهُورِ اسْتِحالةِ المَسِيسِ.

الفصل الثانى: أَنَّ عِدَّةَ المُطَلَّقةِ، إذا كانت حُرّةً وهى من ذواتِ القُرُوءِ، ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ. بلا خِلافٍ بين أهل العلمِ؛ وذلك لقولِ اللَّه تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}. والقُرْءُ (٩) فى كلامِ العَرَبِ يَقَعُ على الحَيْضِ والطُّهْرِ جميعًا، فهو من الأسْماءِ المُشْتَرَكةِ، قال أحمدُ بن يَحْيَى ثَعْلَبٌ: القُرُوءُ الأوْقاتُ، الواحدُ قُرْءٌ، وقد يكون حَيْضًا وقد يكون طُهْرًا؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما يأتِى لِوَقْتٍ. قال الشاعر (١٠):

كَرِهْتُ العَقْرَ عَقْرَ بَنِى تَمِيمٍ ... إذا هَبَّتْ لقَارِبِها الرِّيَاحُ (١١)

يعنى: لوَقْتهِا. وقال الخليلُ بن أحمدَ يقال: أقْرَأتِ المرأةُ: إذا دَنا حَيْضُها وأقْرَأَتْ: إذا دنا طُهْرُها، وفى الحديثِ عن النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "دَعِى الصَّلاةَ أيامَ أقْرائِكِ" (١٢). فهذا الحَيْضُ. وقال الشاعر: (١٣)

مُوَرَّثَة عزًّا وفى الحَىِّ رِفْعَةً ... لِمَا ضَاعَ فيها مِنْ قُرُوءِ نِسَائِكَا

فهذا الطُّهْرُ. واخْتَلَفَ أهلُ العلمِ فى المُرادِ بقولهِ سبحانه: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}. واختلفتِ الرّوايةُ فى ذلك عن أحمدَ، فرُوِىَ أنَّها الحِيَضُ. رُوِىَ ذلك عن


(٩) فى الأصل: "والقروء".
(١٠) هو مالك بن الحارث أخو بنى كاهل بن الحارث بن تميم بن سمد بن هذيل. انظر: ديوان الهذليين ٣/ ٨١، والبيت فيه ٣/ ٨٣. وقد نسب لتأبط شرا فى: معجم البلدان ٣/ ٦٩٥، انظر ديوانه ٢٤٠.
(١١) العقر هنا: القصر الذى يكون معتمدا لأهل القرية. معجم البلدان ٣/ ٦٩٥.
(١٢) تقدم تخريجه، فى: ١/ ٢٧٧.
(١٣) هو الأعشى، والبيت فى ديوانه ٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>