للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنَّكَ متى أدَّيْتَ إِلَىَّ كذا، فأَنْتَ حُرٌّ. فإذا أدَّى إليه ذلك، فيَنْبَغِى أَنْ يَعْتِقَ، فإنْ قيلَ: فإذا غُيِّرَ الأجَلُ والعِوَضُ، فكأنَّهما فَسَخَا الكتابةَ الأُولَى، وجَعَلاها كتابَةً ثانِيَةً. قُلْنا: لم يَجْرِ بينَهما فَسْخٌ، وإنَّما قَصَدا تَغْيِيرَ العِوَضِ والأَجَلِ، على وَجْهٍ لا يصِحُّ، فبَطَل (١٠) التَّغْيِيرُ وبَقِىَ (١١) العَقْدُ بحالِه. ويَحْتَمِلُ أَنْ يصِحَّ ذلك، كما فى المسألةِ الأُولَى. فعلى هذا، لو اتَّفَقَا على ذلك. ثم رَجَعَ أحَدُهما، كان (١٢) له الرُّجوعُ. وكذلك فى المسألَة الأُولَى، لو قال: أُعَجِّلُ لَكَ مالَ الكتابةِ، وتُسْقِطُ عَنِّى منه كذا؟ فقال: نعم. ثم رَجَعَ أحَدُهما قبلَ التَّعْجِيلِ، فله الرُّجُوعُ، لما ذَكَرْنا من أَنَّ الدَّيْنَ المُؤَجَّلَ لا يَتَأخَّرُ عن أجَلِه ولا يَتَقَدَّمُ، وإنَّما له أَنْ يُؤَدِّيَه قبلَ مَحَلِّه، ولِمَنْ له الدَّينُ تَرْكُ قَبْضِه فى مَحَلِّه، وذلك إلى اخْتِيارِه، فإذا وَعَدَ به ثم رَجَعَ قبلَ الفِعْلِ، فله ذلك.

فصل: وإِنْ صالَحَ المُكاتَبُ سَيِّدَهُ عمَّا فى ذِمَّتِه بغيرِ جِنْسِه، مثل أَنْ يُصالِحَه عن النُّقودِ بحِنْطَةٍ أو شعيرٍ، جازَ، إِلَّا أنَّه لا يجوزُ أَنْ يُصالِحَه على شىءٍ مُؤَجَّلٍ؛ لأَنَّه يكونُ بَيعَ دَيْنٍ بدَيْنٍ. وإِنْ صالَحَه عن الدَّراهِم بدَنانِيرَ، أو عن (١٣) الحِنْطَةِ بشَعيرٍ، لم يجُزِ التَّفَرُّقُ (١٤) قبلَ القَبْضِ؛ لأنَّ هذا بَيعٌ فى الحقيقَةِ، فيُشْتَرَطُ له القبضُ فى المَجْلِسِ. وقال القاضى: يَحْتَمِلُ أَنْ لا تَصِحَّ هذه المُصالَحةُ مُطْلَقًا؛ لأنَّ هذا دَيْنٌ من شَرْطِه التَّأْجِيلُ، فلم تجُزِ المُصالَحَةُ عليه بغيرِه، ولأنَّه دَيْنٌ غيرُ مُسْتَقِرٍّ، فهو كدَيْنِ السَّلَمِ. وقال ابنُ أبى موسى: لا يَجْرِى الرِّبَا بينَ المُكاتَبِ وسَيِّدِه. فعلى قَوْلِه، تجوزُ المُصالَحَةُ كيفَما كانتْ، كما يجوزُ ذلك بين العبدِ القِنِّ وسَيِّدِه. والأوْلَى ما ذَكَرْناه، ويفارِقُ دَيْنُ الكتابة دَيْنَ السَّلَمِ؛ فإنَّه يُفارِقُ سائِرَ الدُّيونِ بما ذَكَرْنا فى هذه المسألةِ، فمُفارَقَتُه لِدَيْنِ السَّلَمِ أعْظمُ. واللَّهُ أعلمُ.


(١٠) فى أ، ب، م: "فيبطل".
(١١) فى م: "يبقى".
(١٢) فى ب، م: "فإن".
(١٣) فى ب: "وعن".
(١٤) فى ب، م: "التصرف".

<<  <  ج: ص:  >  >>