للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القِسْمَيْنِ، وهو ما يُمْكِنُه عَمَلُه بِنَفْسِه، ولا يَتَرَفَّعُ (٧) عنه، فهل يجوزُ له التَّوْكِيلُ فيه؟ على رِوَايَتَيْنِ؛ إحداهما، لا يجوزُ. نَقَلَها ابنُ مَنْصُورٍ. وهو مذهبُ أبى حنيفةَ، وأبى يوسُفَ، والشّافِعِىِّ؛ لأنَّه لم يَأْذَنْ له في التَّوْكِيلِ، ولا تَضَمَّنَهُ إِذْنُه، فلم يَجُزْ، كما لو نَهَاهُ، ولأنَّه اسْتِئْمانٌ فيما يُمْكِنُه النُّهُوضُ فيه، فلم يكُنْ له أن يُوَلِّيَهُ مَن (٨) لم يَأْمَنْه عليه، كالوَدِيعَةِ. والأُخْرَى، يجوزُ. نَقَلَها حَنْبَلٌ. وبه قال ابنُ أبي لَيْلَى، إذا مَرِضَ أو غابَ؛ لأنَّ الوَكِيلَ له أن يَتَصَرَّفَ بِنَفْسِه، فمَلَكَهُ نِيَابَةً كالمالِكِ. والأَوَّلُ أوْلَى. ولا يُشْبِهُ الوَكِيلُ المالِكَ؛ فإنَّ المالِكَ يَتَصَرَّفُ بِنَفْسِه (٩) في مِلْكِه كيف شاءَ، بِخِلَافِ الوَكِيلِ.

فصل: وكلُّ وَكِيلٍ جازَ له التَّوْكِيلُ، فليس له أن يُوَكِّلَ إلَّا أمِينًا؛ لأنَّه لا نَظَرَ لِلْمُوَكِّلِ في تَوْكِيلِ مَن ليس بأَمِينٍ، فيُقَيَّدُ جَوَازُ التَّوْكِيلِ بما فيه الحَظُّ والنَّظَرُ، كما أنَّ الإِذْنَ في البَيْعِ يَتَقَيَّدُ بالبَيْعِ بِثَمَنِ المِثْلِ، إلَّا أن يُعَيِّنَ له المُوَكِّلُ من يُوَكِّلُه، فيجوزُ تَوْكِيلُه، وإن لم يكُنْ أَمِينًا؛ لأنَّه قَطَعَ نَظَرَهُ بِتَعْيِينِه. وإن وكَّل أَمِينًا، وصارَ خَائِنًا، فعليه عَزْلُه؛ لأنَّ تَركَهُ يَتَصَرَّفُ مع الخِيَانَةِ تَضْيِيعٌ وتَفرِيطٌ، والوَكَالَةُ تَقْتَضِى اسْتِئْمانَ أمِينٍ، وهذا ليس بأَمِينٍ، فوَجَبَ عَزْلُه.

فصل: والحُكْمُ في الوَصِىِّ يُوَكِّلُ فيما أُوصِىَ به إليه، وفى الحاكِمِ يُوَلَّى القَضاء في ناحِيَةٍ يَسْتَنِيبُ غيرَه، حُكْمُ الوَكِيلِ فيما ذَكَرْنا من التَّفْصِيلِ، إلَّا أنَّ المَنْصُوصَ عن أحمدَ، في رِوَايةِ مُهَنَّا، جَوَازُ ذلك. وهو قولُ الشّافِعِىِّ في الوَصِىِّ؛ لأنَّ الوَصِىَّ يَتَصَرَّفُ بِوَلايةٍ، بدَلِيلِ أنَّه يَتَصَرَّفُ فيما لم يُنَصَّ له على التَّصَرُّفِ فيه، والوَكِيلُ لا يَتَصَرَّفُ إلَّا فيما نُصَّ له عليه. والجَمْعُ بينهما أَوْلَى؛ لأنَّه مُتَصَرِّفٌ في مالِ غيره بالإِذْنِ، فأشْبَه الوَكِيلَ، وإنما يَتَصَرَّفُ فيما اقْتَضَتْهُ الوَصِيَّةُ، كالوَكِيلِ إنَّما يَتَصَرَّفُ فيما اقْتَضَتْهُ الوَكَالَةُ.


(٧) في أ: "يرتفع".
(٨) في ب، م: "لمن".
(٩) سقط من: الأصل، أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>