للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكلامُ في هذه المسألةِ قى فصولٍ ثلاثةٍ:

أحدُها: في وُجوبِ الرَّجْمِ على الزَّانِى الْمُحصَنِ، رجلًا كان أو امرأةً. وهذا قولُ عامَّةِ أهلِ العلمِ من الصحابةِ، والتَّابعينَ، ومَنْ بعدَهم من عُلَماءِ الأمصارِ في جميعِ الأعْصارِ، ولا نعلمُ فيه مُخالِفًا إلَّا الخوارِجَ، فإنَّهم قالوا: الجَلْدُ للبِكْرِ والثَّيِّبِ، لقولِ اللَّه تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (١). وقالوا: لا يجوزُ تَرْكُ كتاب اللَّه تعالى الثَّابتِ بطريقِ القَطْعِ واليَقِينِ، لأخْبار آحادٍ يجوزُ الكَذِبُ فيها، ولأنَّ هذا يُفْضِى إلى نَسْخِ الكتابِ بالسُّنَّةِ، وهو غيرُ جائز. ولَنا، أنَّه قد ثَبَتَ الرَّجْمُ عن رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بقَوْلهِ وفِعْلِه، في أخبارٍ تُشْبِهُ التَّواتُرَ (٢)، وأجْمَعَ عليه أصحابُ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، على ما سنذْكُرُه في أثناءِ البابِ في مَواضِعه، إنْ شاءَ اللهُ تعالى، وقد أَنْزَلَه (٣) اللهُ تعالى في كتابِه، وإنَّما نُسِخَ رَسْمُه دونَ حُكْمِه، فرُوِىَ عن عمرَ بن الخَطَّابِ، رَضِىَ اللهُ عنه، أنَّه قال: إنَّ اللهَ تعالى بعثَ محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- بالحَقِّ، وأنزلَ عليه الكتابَ، فكان فيما أَنْزَلَ عليه آيةُ الرَّجم، فَقَرَأْتُها وعقَلْتُها ووعَيْتُها، ورَجَمَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ورجَمْنَا بعدَه. فأخْشَى إنْ طال بالنَّاسِ زمانٌ، أن يقولَ قائلٌ: ما نَجِدُ الرَّجْمَ في كتابِ اللهِ. فَيضِلُّوا بتَرْكِ فَرِيضةٍ أَنْزلَها اللهُ تعالى، فالرَّجْمُ حَقٌّ على مَن زَنَى إذا أحْصَنَ، من الرِّجَالِ والنِّسَاءِ، إذا قامَتِ البَيِّنَةُ، أو كانَ الْحَبَلُ، أو الاعْتِرافُ، وقد قَرَأْتُها: "الشَّيْخُ والشيخةُ [إذا زَنَيَا] (٤) فارْجُمُوهُما الْبَتَّةَ نَكَالًا مِنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمُ". مُتَّفَقٌ عليه (٥). وأمَّا آيةُ الجَلْدِ، فنقولُ بها، فإنَّ الزَّانِىَ يجبُ جَلْدُه، فإن كان ثَيِّبًا رُجِمَ مع الجلدِ، والآيةُ لم تتعرَّضْ لنَفْيهِ. وإلى هذا أشارَ عليٌّ، رَضِىَ اللهُ عنه،


(١) سورة النور ٢.
(٢) في ب، م: "المتواتر".
(٣) في الأصل: "نزله".
(٤) سقط من: الأصل، ب.
(٥) تقدم تخريجه، في: ١١/ ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>