للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حينَ جلَدَ شُراحَةَ، ثم رَجَمَهَا، وقال: جلدتُها بكتابِ اللَّه تعالى، ثم رَجَمْتُها بسُنَّةِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (٦). ثم لو قُلْنَا: إنَّ الثَّيِّبَ لا يُجْلَدُ، لَكان هذا تَخْصيصًا للآيةِ العامَّةِ، وهذا سائِغٌ بغيرِ خلافٍ، فإنَّ عُموماتِ القرآنِ في الإِثْباتِ كلَّها مُخَصَّصةٌ. وقولُهم: إنَّ هذا نَسْخٌ. ليس بصحيحٍ، وإنَّما هو تَخْصيصٌ، ثم لو كان نسخًا، لَكان نَسْخًا بالآيةِ التي ذكرَها عمرُ، رَضِىَ اللهُ عنه. وقد رَوَيْنَا أنَّ رُسُلَ الخَوارِج جاءوا عمرَ بنَ عبدِ العزيزِ، رحِمَه اللَّه، فكان من جُملةِ ما عابُوا عليه الرَّجْمُ، وقَالوا: ليس، في كتابِ اللَّه إلَّا الجَلْدُ. وقالوا: الحائضُ أوْجَبْتُمْ عليها قضاءَ الصَّومِ دونَ الصَّلاةِ، والصلاةُ أوْكدُ. فقال لهم عمرُ: وأنتمُ لا تأْخُذونَ إلَّا بما في كتابِ اللَّه؟ قالوا: نعم. قال: فأخبِرُونِى عن عددِ الصَّلواتِ المفْروضاتِ، وعَدَدِ أَرْكانِها وركعاتِها ومَواقِيتِها، أينَ تَجِدُونَه في كتابِ اللَّه تعالى؟ وأخْبِرُونى عمَّا تجبُ الزَّكاةُ فيه، ومقادِيرُها، ونُصُبُها؟ فقالوا: أنظِرْنا. فرَجَعُوا يومَهم ذلك، فلم يجدُوا شيئًا ممَّا سألَهم عنه في القرآنِ. فقالوا: لم نَجِدْهُ في القرآنِ. قال: فكيف ذَهبْتُم إليه؟ قالوا: لأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَعلَه، وفَعلَه المسلمون بعدَه. فقال لهم: فكذلك الرَّجْمُ، وقَضاءُ الصَّومِ، فإنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- رَجَمَ ورَجَمَ خُلَفاؤُه بعدَه والمسلمونَ، وأمرَ النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بقضاءِ الصَّومِ دونَ الصَّلاةِ، وفعلَ ذلك نساؤُه ونِساءُ أصحابه. إذا ثبت هذا، فمعنى الرَّجْمِ أن يُرْمَى بالحِجَارَةِ وغيرِها حتى يُقْتَلَ بذلك. قال ابنُ المُنْذِر: أجْمَعَ أهلُ العلمِ على أنَّ المَرْجُومَ يُدَامُ عليه الرَّجْمُ حتى يموتَ. ولأنَّ إطْلاقَ الرَّجْمِ يَقْتَضِى القتلَ به، كقوله تعالى: {لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ} (٧). وقد رَجَمَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- اليَهُودِيَّيْن اللَّذَيْن زَنَيا، وماعِزًا، والغامِدِيَّةَ، حتى ماتُوا (٨).


(٦) أخرجه البخاري، في: باب رجم المحصن، من كتاب المحاربين. صحيح البخاري ٨/ ٢٠٤. والدارقطني، في: كتاب الحدود والديات وغيره. سنن الدارقطني ٣/ ١٢٣، ١٢٤. والبيهقي، في: باب من اعتبر حضور الإِمام، من كتاب الحدود. السنن الكبرى ٨/ ٢٢٠. والإِمام أحمد في: المسند ١/ ٩٣، ١٠٧، ١١٦، ١٢١، ١٤٠، ١٤١، ١٤٣، ١٥٣.
(٧) سورة الشعراء ١١٦.
(٨) يأتى تخريج ذلك كله.

<<  <  ج: ص:  >  >>