للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنَ المَسْجِدِ". فقالت: إنِّي حائِضٌ، قال: "إنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ في يَدِك". وكان رَسُولُ اللَّه يَشْرَبُ مِنْ سُؤْرِ عائشة وهى حائِضٌ، ويَضَعُ فَاهُ على مَوْضِعِ فِيهَا، وتَتَعَرَّقُ العَرْقَ، وهى حائِضٌ، فيأْخُذُه النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ويَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِع فِيهَا. وكانت تَغْسِلُ رَأْسَ رَسُولِ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهى حائِضٌ (٣)، وتَوَضَّأَ النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنْ مَزَادَةِ مُشْرِكَةٍ، مُتَّفَقٌ عليه. وتَوَضَّأَ عُمَر مِن جَرَّةِ نَصْرَانِيَّة. وأجابَ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَهُودِيًّا دَعَاهُ إلى خُبْزٍ وإهَالَةٍ سَنِخَةٍ (٤). ولأَنَّ الكُفْرَ معنًى في قَلْبِه، فلا يُؤَثِّرُ في نَجَاسَةِ ظاهِرِهِ كسائِرِ ما في القَلْبِ، والأَصْلُ الطَّهارَةُ. ويَتَخَرَّجُ التَّفْرِيقُ بين الكِتَابِيِّ الذي لا يَأْكُلُ الْمَيتَةَ والخِنْزِيرَ، وبين غَيْرِه مِمَّنْ يأْكُلُ الميتَةَ والخِنْزِيرَ، ومَنْ لا تَحلُّ ذَبِيحَتهم، كما فَرَّقْنا بينهم في آنِيَتِهِم وثِيَابِهِم.

فصل: وأمَّا طُهُورِيَّةُ الماءِ، فإن الحائِضَ والكافِرَ لا يُؤَثِّرُ غَمْسُهُما يَدَيْهِما في الماءِ شَيْئًا؛ لأنَّ حَدَثَهُما لا يَرْتَفِعُ. وأما الجُنُبُ فإنْ لم يَنْوِ بِغَمْسِ يَدِه في الماءِ رَفْعَ الحَدَثِ عنها (٥)، فهو باقٍ على طُهُورِيَّتِه؛ بدَلِيلِ حَدِيثِ المرأةِ التي قالت: غَمَسْتُ يَدَىَّ في الماءِ، وأنا جُنُبٌ، فقال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الماءُ لا يُجْنِبُ". ولأن الحَدَثَ لا يَرْتَفِعُ مِنْ غيرِ نِيَّةٍ، فأشْبَهَ غَمْسَ الحائِضِ. وإن نَوَى رَفْعَ حَدَثِها، فحُكْمُ الماءِ حُكْمُ ما لو اغْتَسَلَ الجُنُبُ فيه للجَنَابَةِ. وقال بعضُ أصْحابِنَا: إذا نَوَى رَفْعَ الحَدَثِ، ثم غَمَسَ يَدَهُ في الماءِ لِيَغْتَرِفَ بها، صار الماءُ مُسْتَعْمَلًا. والصَّحِيحُ - إن شاء اللهُ - أنَّه إذا نَوَى الاغْتِرَافَ لم يَصِرْ مُسْتَعْمَلًا؛ لأنَّ قَصْدَ الاغْتِرَافِ مَنَعَ قَصْدَ غَسْلِها، على ما بَيَّناهُ في المُتَوَضِّىءِ إذا اغْتَرَفَ مِنَ الإِناءِ بعدَ غَسْلِ وَجْهِهِ.

وإن انْقَطَعَ حَيْضُ المَرْأَةِ ولم تَغْتَسِلْ، فهى كالجُنُبِ، فيما ذَكَرْنا من التَّفْضِيل. وقد اخْتَلَفَ (٦) عن أحمدَ في هذا؛ فقال في مَوْضِعٍ، في الجُنُبِ والحائِضِ يَغْمِسُ يَدَهُ


(٣) انظر لكل ذلك صفحة ٦٩، وصفحة ٧٠.
(٤) انظر لكل ما تقدم صفحات ١١٠ - ١١٢.
(٥) في م: "منها".
(٦) أي: النَّقْلُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>